يقول نزار قباني: «الكاتب الحقيقي، هو الذي يرتفع من الخاص إلى العام، ومن الجزء إلى الكل، ومن القوقعة إلى البحر».
إن مفهوم الكتابة يتجاوز ما هو أبعد من تسطير الكلمات، إذ تتنوَّع أشكال الكتابة وأهدافها، ولكلِّ شكل منها شروط وقواعد تميِّزها عن غيرها. ويبحث الكثير من الكُتاب عن تحسين مهاراتهم في الكتابة ليطوِّروا أنفسهم، من أجل تقديم محتواهم على أجود ما يكون، لتحسُن فرص وصولهم إلى الناشرين والقراء.
وتعد عملية البحث عن أساليب التطوير من أهم الأمور التي يقوم بها الكاتب، إذ في الكتابة تحديدًا يَصْعُب على الكاتب الوقوف عند حد معين من المهارات، فهذا المجال يحتاج إلى كاتب واسع الأفق مُكتسب للكثير من المهارات وحريص على التحسن باستمرار. ولذلك من خلال مقال اليوم سنكشف لك عن أهم تقنيات تطوير مهارات الكتابة.
ما أهمية تحسين مهارات الكتابة؟
تضطلع عملية تحسين مهارات الكتابة بدورٍ هام ومحوري لدى أي كاتب. وفيما يلي نذكر بعضًا منها:
- تمكين الكاتب من إعداد أيِّ نوع من أنواع المحتوى التي قد تُطلب منه.
- إتاحة الفرصة للكاتب كي يعبِّر عن أفكاره وآرائه ومشاعره بسهولة ووضوح.
- تيسير عملية الكتابة وجعلها أسلس، وتقليل وقتها أيضًا.
- تقليل نسبة الأخطاء المرتكبة أثناء عملية الكتابة.
- تحسين عملية التواصل الرسمي أو الشخصي على حدِّ السواء.
- تحفيز الإبداع والتميُّز في النماذج الكتابية المختلفة.
ما أهم تقنيات تطوير مهارات الكتابة؟
من المؤكد أن لكل كاتب طريقته الخاصة التي يبدأ بتطوير أعماله من خلالها بحسب المجال الذي يكتب فيه، ولكن توجد خطوات أساسية لتحسين المهارات، ومع بعض الالتزام ووجود رغبة حقيقية في التطور تصبح عملية الكتابة شيئًا فشيئًا عملية ممتعة بعد أن كانت عبئًا ثقيلًا. ومن أهم التقنيات التي يمكنك البدء بها هي:
1. التعرف على أساسيات الكتابة
عليك في البداية الإلمام بأساسيات الكتابة بصفة عامة، وكذلك أساسيات الكتابة في المجال الذي تعمل به، فمثلًا تختلف كتابة الروايات عن كتابة المقالات، إذ لكلٍّ منهما أساسيات خاصة، ومعرفتها تساعدك على تطوير مستواك. يمكنك فعل هذا بالتعلم الذاتي والبحث في المصادر الملائمة للتعلم، أو الالتحاق ببرنامج تعليمي خاص.
لا توجد طريقة مثالية تلائم الجميع، اختر ما يناسبك ويتوافق مع احتياجاتك وإمكانياتك.
2. اجعل الكتابة وردًا يوميًّا
تلك من أهم الخطوات حقيقة؛ فبطبيعة الحال لا تستطيع أن تحسِّن مستواك في الكتابة إن جافيتها. لذا، عليك أن تكتب يوميًّا، فالتمرين المستمر سيساعدك على التخلُّص من خوفك تجاه عملية الكتابة، وينمي معجمك اللفظي، ويمنحك فرصة تطوير أسلوبك الخاص.
فكلما تمكنت من وضع الكتابة في مهام يومك الروتينية، بدأ عقلك يعتاد عليها وتصبح أسهل وأمتع بالنسبة لك، إذ من أبرز الأخطاء التي يرتكبها بعض الكُتاب أنهم لا يكتبون باستمرار، وهذا ما يجعلهم يفقدون الأسلوب والشغف تجاه الكتابة، وبالعكس يبدأون بفقد أي تطور أو مهارات مكتسبة قد وصلوا إليها في السابق.
3. القراءة والاطلاع
الكُتَّاب الجيِّدون قرَّاء جيِّدون، إذ تعدُّ القراءة المستمرَّة وسيلة رئيسية وسهلة لتطوير مهاراتك الكتابية، كما أنَّ القراءة تسهل الكثير من المهام؛ اقرأ بشكل منتظم ووسِّع مداركك من خلال القراءة عن مواضيع جديدة من خارج خريطتك المعرفية، فكلما قرأت تمكنت من الغوص والانتباه إلى أدق التفاصيل وتفسير مختلف الألفاظ، والتركيز على بنية الجمل وصياغتها واختيار الكلمات.
ومن الممكن أن تتعلم طرائق جديدة تفيدك في تقديم محتواك. حتى إن كنت تظن نفسك قارئًا غير جيد، فتذكَّر أنه بالمران والممارسة والعزيمة لا يوجد مستحيل، واعلم أن كثرة قراءة الكتب تحفز في داخلك التفكير الدائم وحل القضايا والإشكاليات.
4. إيجاد رفيق الكتابة
لا تتردَّد في أن تطلب من أحد أصدقائك إلقاء نظرة على ما كتبته، وإعطاءك أيَّ ملاحظات يراها ضرورية لتحسينه، فعلى الرغم من أنَّ الكتابة تعدُّ عملًا فرديًّا، إلَّا أنَّ من خطوات تطوير مهارات الكُتَّاب أن يعرضوا كتاباتهم على أشخاص آخرين ثقات قارئين يمكنهم تقديم نقد جيد لها.
لا يقف الأمر عند ذلك بل من الجيد أيضًا العثور على شريك في الكتابة يرغب في تطوير مهاراته الكتابية، فهذه تعدُّ طريقة رائعة ليلتزم كلاكما بورد الكتابة ومراجعة كتابة الآخر، ويمكنكما ممارسة العديد من أنشطة الكتابة معًا، كأن يبدأ أحدكما قصة يكملها الثاني، وغير ذلك من الأنشطة التي تنمِّي مهارات الكتابة بدرجة كبيرة.
5. حضور ورش الكتابة
يساهم حضور ورشة عمل متخصصة في الكتابة في تطوير مهاراتك بصورة كبيرة، فهي تجربة تعلم ثرية تتضمن الاستفادة من خبرة المحاضر والمحتوى، وكذلك الأنشطة الكتابية التي تمارسها داخل الورشة، وأخيرًا الاستفادة من زملائك الحضور. لكن من المهم تخيُّر المحتوى المفيد الذي يلائمك لتعيش تجربة ممتعة تكشف لك مواهبك ونقاط قوتك ومواطن التطوير التي تحتاجها.
6. التحليل الدقيق والتأمل
تعرَّف على أساليب الكتابة المختلفة وقارن بينها، اجمع من المقالات أو المواضيع المكتوبة ما أعجبك، وابدأ بتفنيدها وتحليلها، حدِّد الألفاظ والجمل والعبارات التي أعجبتك، حاول العثور على المشترك والمميز بين المواضيع التي اخترتها، ولمَ استهوتك تلك المواضيع بالذات، ثم تأمل ذكاء الكاتب وموهبته في نقلك بانسيابية من موضع لآخر بتناغم وسلاسة، ثم جرب أن تُطبِّق هذه التقنيات والملاحظات على كتاباتك الخاصَّة.
7. محاكاة ما يعجبك من الكتابات
والمقصود هنا التقليد لا السرقة الأدبية؛ التقليد هو محاكاة الأسلوب الذي يميز كاتبك المفضل، نوعية المواضيع التي يكتب فيها، فلسفته في الكتابة ومنهاجه، ولكن بنَفَسِكَ أنت. هذا يساعدك على تطوير مهارات الكتابة لأنَّه يمنحك نهجًا للكتابة ونقطة انطلاق تتحرك منها.
8. التدريب على الوضوح والبساطة
حاول قدر استطاعتك أن تنقل رسالتك بشكل بسيط دون تعقيد في الكتابة؛ حافظ على تماسك كتابتك لكن إلى جانب الوضوح والتبسيط، مثل استخدام الألفاظ السهلة والبسيطة التي لا يحتاج القارئ معجمًا لفهمها، ليتفاعل معك ويدرك ما تقول ويستوعب المادة التي تقدمها. وهكذا تتطور مهارتك لأن ذلك يجبرك على التفكير كثيرًا في الطريقة المثلى لتقديم محتواك، فتعيد التفكير والكتابة أكثر من مرة حتى الوصول إلى الكتابة المناسبة.
9. الابتعاد عن الحشو
خير الكلام ما قل ودل؛ فلا يقل لدرجة أن يفقد وضوحه، ولا تحشهِ لكي تزيد من عدد كلماتك. إذ عليك لكي تصبح كاتب محتوى محترفًا أن تتحرى تقديم ما هو مفيد ومهم. ضع استفادة القارئ نُصب عينيك، ولا تهدر وقتك في كتابةٍ لا تنفع أو وقتَ مُتلقيك في قراءة ما لا يفيد. يجعلك ذلك كاتبًا محترفًا ومتميزًا عن سائر أقرانك.
10. تَقبُّل التجربة واحتمالية الإخفاق
من ينجح من أول مرة وفي كل مرة؟! إن كنتَ تعتقد أنَّ الكُتَّاب الكبار أنهوا أعمالهم الكتابية في فترة قصيرة من الوقت ثم ذهبوا ليستمتعوا بيومهم، فأنت مخطئٌ، لأنَّ الأمر على خلاف ذلك إطلاقًا. وهو ما ينطبق على المبتدئين وأصحاب الخبرة على حدِّ السواء، فهناك مسودة لدى أكبر الكتَّاب تجمع أخطاء لا تغتفر، لذا لا داعي لأن تشعر بالإحباط، ركِّز على تدوين أفكارك على الورق ومن ثم رتِّبها وأعد صياغتها، وتقبل التجربة التي تمر بها مع الكتابة، فهذا يجعلك أكثر تركيزًا على فرص التطور.
خاتمة
«يكتب الإنسان لسبب أو لآخر، ثم تصبح الكتابة عادة لا يمكنه الاستغناء عنها».
عزيزي القارئ لا بُد أن تعمل على تطوير مهاراتك الكتابية وتحسينها، واستعن بهذه الخطوات التي ستسهل عليك الكثير في هذه المهمة، ويمكنك الرجوع إليها وقت الحاجة.
ليس علينا أن نحاول بأقصى جهدنا تجاوز الطريقة التقليدية للكتابة، بل الأجدر أن نتخذ طرقًا أكثر تنظيمًا ومواكبة لتعلم الكتابة الدقيقة، ويضمن لك الالتزام بتنفيذ الخطوات السابقة التغلبَ على معظم الصعوبات التي تواجه الكاتب المبتدئ وذا الخبرة على حد سواء. والأهم أنَّها تمنحك فرصًا كبيرة للتطور والنمو والنجاح في عالم الكتابة.
قد يعجبك أيضاً
بول أوستر، سيد المصادفة في الأدب الأمريكي، يعيد بناء العالم المزيد