اكتشف

أجمل كتب المراسلات بين الشعراء

في هذه القائمة نختار أفضل كتب المراسلات التي دارت بين شعراء، فمثل هذه الرسائل تُطلعنا على جانب شاعري جديد في كل شاعر، وقد اقتصرنا على الكتب التي تنقل تجربة حياة الشاعر في جملتها وتجنبتُ كتب المراسلات التي لها طابع غرامي

قبل أن تَطَّلع على الكتب التي تضمنتها هذه القائمة وتتهم من اختارها بالسوداوية والكآبة لاختياره كتبًا أفرد أكثرَها لشعراء انتحروا أو عاشوا حياة بائسة، فلتعلم أنه ما من شاعر حقيقي إلا وله كهف سري من ألم دفين نبعت منه عبقريته الشعرية، ولولاه لما وجد شيئًا ليقوله، حتى هؤلاء الشعراء الذين يبدون لك منذ الوهلة الأولى ذوي نكتة وظرف وحسن دعابة. إن الألم كما يقول دستويفسكي هو «وحده من يدفعنا إلى أن نشعر بإنسانيتنا».

إننا نقرأ قصائد الشعراء ونتأثر لعمق ما فيها من معانٍ ومشاعر ربما لم نختبرها، لكننا عادة نجهل النبع الذي فجرها، وهذا ما يجعل لهذه المراسلات قيمتها؛ فإن مراسلات البريد لها وقع شاعري بطبيعتها، ربما أكثر من كثير من الأجناس الأدبية الأخرى. فهي مهما كانت اعتيادية وبسيطة إلا أنها تتخذ طابعًا حميميًّا كبيرًا لأنها تنطلق من الشوق والفراق وبعد المسافات، وعندما تدوَّن وتقرؤها يصلك صدق الإحساس الذي كُتِبت به، فما بالك لو أن أطرافها شعراء؟!

في هذه القائمة نختار أفضل كتب المراسلات التي دارت بين شعراء، فمثل هذه الرسائل تُطلعنا على جانب شاعري جديد في كل شاعر، وقد اقتصرنا على الكتب التي تنقل تجربة حياة الشاعر في جملتها وتجنبتُ كتب المراسلات التي لها طابع غرامي، فهذه لها قائمة أخرى.

رسائل أليخاندرا بيثارنيك - ليون أوستروف 1955-1966

ترجمة: رجاء الطالبي (دار المدى، 2019)

«إنها الثامنة صباحًا، تسير الحافلةُ بمحاذاة نهر السين، الغيومُ تغطي مياه النهر، والشمس تنعكس من زجاج كنيسة نوتردام. أرى الضباب وأنا ذاهبة لعملي، مشهدٌ رائع. وما زال المطر وما زالت هذه السماء الخريفية الرمادية التي تعكس تمامًا ما أحسُّ به؛ هذه السماء التي أحبها أكثر من الشمس. هذا الحزن الذي يبدو فيما هو خارجي».
رسائل أليخاندرا بيثارنيك

أليخاندرا بيثارنيك شاعرة أرجنتينية تفتحت مداركها منذ صباها على آلام الحياة، فلم تجد عزاءً لها إلا في اللغة والكتابة، وكان شيء ما يشدها إلى الأعلى ويعزلها عن محيطها، وهذا ما لاحظه عليها محللها النفسي ليون أوستروف الذي قادتها خطاها إليه وهي في الثامنة عشرة من عمرها، وظلت تبادله الرسائل على مدار حياتها إلى أن اتخذت قرارها بالانتحار وهي في سن السادسة والثلاثين. 

لم يكن انتحار بيثارنيك تتويجًا لفشل طبيبها في علاجها؛ فإنه بمجرد أن بدأت جلساتها معه حتى تحولت علاقتهما من مجرد طبيب إلى أن اتخذته أبًا لها تلوذ به في أوقات يأسها واضطرابها، وأخذت مراسلاتهما هذا الطابع الشعري الذي بمرور الوقت تضاءل أمامه الهدف الذي بدأ من أجله وهو العلاج، ليأخذ طابعًا شعريًّا آخر تستنفر فيه بيثارنيك طاقات اللغة وتحكي عن مشاعرها الخاصة وعلاقتها المضطربة مع أمها وعائلتها، وحياتها في باريس التي انتقلت إليها قبيل وفاتها، وقصة كتاباتها، وحياتها العاطفية، ولقاءاتها بكبار الأدباء في باريس.

نشرت ابنة ليون أوستروف هذه المراسلات في عام 2012 تخليدًا لذكرى روح أليخاندرا بيثارنيك التي كابدت الحياة وآلامها، فكان نشرها حدثًا أدبيًّا فريدًا احتفى به الأدباء وعلماء النفس على السواء.

الرسائل مع سميح القاسم - محمود درويش

(الأهلية للنشر والتوزيع، 2016)

«لن نخدع أحدًا، وسنقلب التقاليد. فمن عادة الناشرين أو الكُتَّاب أو الورثة أن يجمعوا الرسائل المكتوبة في كتاب، لكننا هنا نصمم الكتاب ونضع له الرسائل. لعبتنا مكشوفة. سنعلق سيرتنا على السطوح، أو نواري الخجل من كُتَّاب المذكرات بكتابتها في رسائل. انتبه جيدًا، لن تستطيع قول ما لا يقال. فنحن مطالبان بالعبوس، مطالبان بالصدق والإخفاء ومراقبتهما في آن، مطالبان بأن لا نشوه صورة نمطية أعدتها لنا المخيلة العامة، مطالبان بإجراء تعديل ما على طبيعة أدب الرسائل، أبرزه استبعاد وجوه الشهود وجمالية الضعف الإنساني. فكيف نحل هذه المعضلة التي يجمد بقاءها الفارق الطليَّ بين الرسالة والمقالة؟».
الرسائل مع سميح القاسم

هذه إحدى رسائل هذا الكتاب كتبها محمود درويش إلى أخيه سميح القاسم في غربته بباريس عام 1963. يبدو أن الشاعرين الفلسطينيين الكبيرين كانا ينظران إلى ما هو أبعد من مجرد هذه الرسالة أو تلك التي يتبادلانها في غربتهما! تمامًا ككل شاعر صاحب قضية بحجم القضية الفلسطينية، كانا يعلقان بصريهما على الوقت الذي ستنشر فيه هذه الرسائل ليرى العالم هذه الأخوة النادرة، وهذه الصداقة الفريدة التي لم تتنصل يومًا عن الهم الأكبر؛ فلسطين. ففي أواخر ثمانينيات القرن الماضي وبينما كان محمود درويش في غربته بباريس، وسميح القاسم في حيفا المحتلة، نشأت واحدة من أرق المراسلات وأصدق العزاءات، مراسلات يصدق فيها ما قاله الكاتب محمد علي طه بتعبيره »رسائل بين شطري البرتقالة«.

العابر الهائل بنعالٍ من ريح: رسائل آرثر رامبو

إعداد وترجمة: شربل داغر (دار أزمنة للنشر والتوزيع؛ 2014)

«إذا كنت أشتكي، فهذه الشكوى ليست سوى نوع من الغناء».
العابر الهائل بنعالٍ من ريح: رسائل آرثر رامبو

إنه المسكين آرثر رامبو، الفتى الذي بدأ بكتابة الشعر وهو ابن السادسة عشرة، وكانت آخر أعماله الشعرية المكتوبة في سن 21 عامًا، كانت هذه السنوات القليلة -برغم حداثة سنه- كفيلة ليكون أحد الآباء الأربعة للحركة السريالية في الأدب بجانب شاعر كبير مثل بودلير.

لكن كل هذه السنوات لم تكن كل ما دونه من شعر، فثمة قصيدة أخرى أعظم وأكبر وأكثر إثارة وجموحًا هي حياته الغريبة المترحلة التي عاشها هذا الشاعر الغامض، والتي أفردت العشرات من الكتب ودونت بعض الروايات لتحكي عن هذه الحياة التي اكتست طابعًا سحريًّا من كثرة ما قيل فيها. لكن هذه الرسائل التي كتبها رامبو أثناء رحلته إلى الحبشة في جدة والقنفذة وجازان في السعودية ثم في عدن اليمن، تكشف لنا أن هذا الفتى الذي قدمه الكثيرون باعتباره بطلًا أسطوريًّا لم يكن سوى شاب معذب!

فروغ فرخزاد: الرسائل السرية والسيرة الأدبية - فرزانة ميلاني

ترجمة: أحمد حيدري (دار الرافدين، 2018)

«دائمًا كنت أبحث عن حياة مليئة بالوقائع الغريبة، ربما مثير للضحك لو أخبرتك أنني أحب أن ألف العالم عارية القدمين، أو أن أركض في الشوارع كالأطفال؛ أن أصرخ وأفعل كل شيء نقيض القانون، ربما تقول إن طبيعتي مائلة للذنوب، كلَّا ... أنا فقط أحب أن أتلذذ بكل شيء غريب».
فروغ فرخزاد: الرسائل السرية والسيرة الأدبية - فرزانة ميلاني
فروغ فرخزاد الشاعرة المتعَبة، التي كابدت قسوة الأب والحرمان العاطفي، والزواج المبكر، فعاشت عمرها كله متمردة على الأغلال، باحثة عن المستحيل. ولطالما فتن شعرُها الإيرانيات كما لم يفعل شعر قط، وظل رفيقهن في كل ما يكابدن من صعوبات وقيود، وانتقلت هذه الفتنة إلى مجتمعات كثيرة أخرى ترجمت أشعار فروغ إلى لغاتها.

لكن التجاوب الشعوري مع أحزان فروغ سيظل مستعصيًا إلا إذا قُرِئت رسائلها وتأملاتها، وهذا ما يمنحنا إياه هذا الكتاب الذي جمعت فيه الباحثة الإيرانية فرزانة ميلاني أستاذة الأدب الفارسي في جامعة فرجينيا في الولايات المتحدة رسائل فروغ، بما فيها الرسائل شديدة الخصوصية التي تركتها الشاعرة الكبيرة قبيل انتحارها.

ثلاث سنوات ونصف مع ناظم حكمت في سجن بورصة ومراسلاتهما التي تلتها - أورهان كمال

ترجمة: أحمد زكريا وملاك دينيز أوزدمير (منشورات المتوسط، 2020)

«قمتُ وأحضرت الشعر من حقيبتي؛ وضع تبغًا في غليونه وأشعله، وبعد أن سحب منه عدة مرات كي يشتعل، قال بجدية: «نعم ، أسمعك».
ثلاث سنوات ونصف مع ناظم حكمت في سجن بورصة ومراسلاتهما التي تلتها - أورهان كمال

يحكي هذا الكتاب سيرة إحدى أجمل الصداقات الأدبية في تاريخ الأدب الحديث، بطلها هو الروائي التركي الكبير أورهان كمال الذي عثرت السلطات التركية في حقيبته على أشعار لشاعر تركيا الأبرز ناظم حكمت، والذي كانت أشعاره ممنوعة في تركيا في هذا الوقت، فيدخل سجن بورصة، وتدور الأيام دورتها ليلتقي أورهان في سجنه بناظم حكمت الذي سُجن بسبب كتبه! ويظلان معًا في السجن ثلاث سنوات ونصف السنة! لتنشأ بينهما صداقة نادرة المثال، خلَّدها أورهان كمال في كتابه هذا، وأرفق في الكتاب مجموعة من أجمل المراسلات التي دارت بينهما بعد خروج أورهان من السجن.

ستطلع في هذا الكتاب على جانب إنساني بالغ الرقة والجمال في شخصية الشاعر الكبير ناظم حكمت الذي حرص على تعليم الشاويش المكلف بحراسته الرسم، والذي بذل ما يستطيع لتشجيع أورهان كمال في مشروعه الروائي، وستقرأ بعض رسائله العذبة إلى زوجته التي ملأت عليه فؤاده.

لئن كان يصح أن يُحسَد أحدٌ على دخوله السجن فليُحسَد أورهان كمال على تجربته تلك مع الشاعر الجميل ناظم حكمت.

رسائل سيلفيا بلاث

ترجمة: فاطمة نعيمي (منشورات تكوين ودار الرافدين، 2019)

«أخبرته عنك لأنه أيضًا أحد الأشخاص النادرين الذين يحبُّون تبادل الأفكار. لقد تعبتُ من مصادقة الفتيات اللائي لا يفكرن في شيء سوى فساتين الحفلات والأولاد الذين يهتمون فقط بالمال والوجوه الجميلة. من المريح العثور على شخص يتحدث عن أفكار الحياة والدين. أعتقد أن الرفقة الروحية ضرورية للغاية في عالم فيه الكثير من السطحية وعدد قليل من عوامل الجذب».
رسائل سيلفيا بلاث
كان لقاء الشاعرة سيلفيا بلاث بتيد هيوز شاعر البلاط الملكي طوقَ نجاة لها؛ فقد ملأ عليها حياتها وملك عليها قلبها، لكنه هو الشخص نفسه الذي ستكتوي من خيانته لها إلى أن تنتحر على إثر ذلك. كان انتحار سلفيا بلاث إعلانًا منها عن إخفاقها في محاولة كراهيته!

تكشف لنا هذه الرسائل عن خفايا حياتها البائسة التي جاوزت خمسين سنة، بما كابدت فيها من آلام فقدها لأبيها، وجفوة أمها، وهجر زوجها لها ولابنتها. امتُحنت صلابتها وقوتها بأكثر مما تستطيع تحمله، فأنهت حياتها بينما كان طفلاها نائمين في الغرفة المجاورة، لتترك زوجها تلاحقه سهام الاتهام والنبذ إلى أن توفي عام 1998، لتفرج بعدها ابنتهما فريدا هيوز عن رسائل الأم الفقيدة.

وأخيرًا فهذه المراسلات ليست ككل المراسلات، فهي قصائد في ثوب رسائل، لكنها ليست ككل القصائد، فالشعر الذي تضمنته لم يكتب بأوزانٍ وقوافٍ، بل كتب بالدم والدمع وزفرات الأرواح. 

Shares:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *