في عام 1945 كتب العقاد “في بيتي“؛ متصورًا أنه يُجري حوارًا مع نفسه سائلًا عن سبب إقلاله في الروايات، فرد قائلًا: “محصول خمسين صفحة من الشعر الرفيع، أوفر من محصول هذه الصفحات من القصة الرفيعة”.
كأنَّما كانت مقولة العقاد نارًا أُضرمت في الهشيم، وفي حينها اعتبر الأديب الناشئ نجيب محفوظ أن هذا الكلام موجَّه له شخصيًّا؛ فرد على مقالة العقاد بمقالة تحت عنوان “القصة عند العقاد” فنَّد فيها ادِّعاءات العقاد حول ما قاله عن القصة.
خاض الأديبان بالمقال معارك أدبية كانت محط أنظار الناس، حتى إنهم كانوا ينتظرونها مقالًا تلو الآخر؛ ليستمتعوا بجمال الطرح وإبداع الرد وعلى مر الزمن كان للمقال “شَنَّةٌ ورَنَّة”، تنوعت طريقة عرضه لكن ما زالت مكانته الكبيرة موجودة حتى الآن. في مقالتنا اليوم سنتحدث عن كيفية كتابة المقال وفق قواعد وأسس سليمة.
ما المقال؟
كتابة المقال فن؛ ليست مجرد كلمات تجتر إحداها الأخرى، بل هي مهارة ورسالة تنقل ما امتلأت به من مواضيع وأفكار ومعلومات للقارئ. من أشمل تعريفات المقال “نص نثري، محدود الطول، يدور حول موضوع معين، تظهر فيه شخصية الكاتب، وله مقومات فنية تتمثل في: المقدمة، العرض، الخاتمة”.
عزيزي القارئ لك أن تعلم أن كتابة المقالات تعد بمثابة جسر للتواصل يرتفع بالتبسيط والوضوح وسهولة إيصال الرسالة. وفي عصرنا الحالي الذي يتميز بالتطور السريع في وسائل الإعلام والصحافة بنوعيها الورقية والإلكترونية؛ تملك المقالات أهمية خاصة بين أشكال المحتوى الأخرى.
أنواع المقالات في عصرنا الحاضر
لطالما ارتبط تنوع المقالات بالنشاط الصحفي وتطوراته، فتنوعت المواضيع بما تتطلبه ظروف المجتمع، وبالتالي أصبح هناك العديد من أنواع المقالات. ومع نمو المحتوى الرقمي زادت قيمة المقالات وأهميتها، وأصبحت تمثل جزءًا أساسيًّا من المحتوى الرقمي. من أهم أنواع المقالات في عصرنا الحاضر:
1. المقال الأدبي
يتأنق المقال الأدبي بألفاظه وتعبيراته الأدبية، ويتميز بسمات خاصة تختلف من كاتب لآخر؛ جميعهم يتشاركون حسن تذوق اللغة ومعرفة الكثير من علومها، ويظهر أسلوبهم المميز في محتوى المقال.
2. المقال السياسي
تسيطر المواضيع السياسية في بعض الأوقات على المشهد الإعلامي بشكل كبير، ومن هنا تأتي أهمية المقال السياسي، وهو العرض المبني على وجهة نظر القائمين باختلافهم. تمتاز المقالات السياسية ببساطة ألفاظها، واعتمادها على حقائق موثقة، وعرض أحداث تمس حياة القراء.
3. المقال العلمي
تخوض في المقال العلمي رحلة مع الاكتشافات وآخر التطورات على الساحة العلمية ليُعرِّف الناس فوائدها، وفي نفس الوقت يُحذر من مخاطرها وآثارها المحتملة. يمتاز المقال العلمي بالموضوعية والوضوح والدقة والبساطة، مع التجرد من المفردات العاطفية والمبالغات في الحديث عن الموضوع.
4. المقال الاجتماعي
من أكثر النواحي المؤثرة على النشاط الصحفي، ولها النصيب الأكبر من الانتشار في مجتمعاتنا العربية، وتُكتب بطريقة تناسب الموضوع، تُناقش الحدث أو الفكرة وتطرح الحلول، وتلفت الانتباه وتسلط الضوء على ما هو مغمور. تمتاز بالواقعية وسهولة الألفاظ والوضوح ومخاطبتها الرأي العام والبعد عن الآراء الشخصية.
5. المقال التسويقي
أحدث أنواع المقالات الذي انتشر بسبب شيوع التسويق الرقمي، إذ تعد المقالات التسويقية جزءًا أساسيًّا في كتابة المعلومات عن العلامات التجارية وترويجها بطريقة غير مباشرة، من خلال تعليم القرَّاء مهارات جديدة وإضافة قيمة حقيقية لهم في المقالات، بهدف التأثير على قرارات الشراء.
لا تفوت قراءة: حبسة الكاتب
خطوات كتابة المقال
قد يحتوي المقال العديد من الفقرات حسب الحاجة، ومع ذلك فإن المقال نفسه يتكون من ثلاثة أقسام: المقدمة، متن المقال، الخاتمة. لا تقتصر خطوات كتابة المقال على الكتابة الفعلية لهذه الأجزاء، بل تتضمن عدة مراحل وخطوات كالتالي:
1. الإعداد: ما قبل الكتابة
قبل أن تشرع في تدوين كلماتك تأكد أن لديك هدفًا للكتابة؛ اسأل نفسك هل ما تقدمه ينفع القارئ؟ كأن تطرح مشكلة ما ومحاولة إيجاد حلول لها، عرض لفكرة معينة، إيصال معلومة أو مشاركة ما يهم الناس تبعًا لنوع المقال والجمهور المستهدف من كتابته.
تحريت ذلك؟ إذن ننتقل للخطوة الثانية في مرحلة الإعداد وهي تحديد المحتوى الذي تريد تقديمه؛ اجمع الأفكار المناسبة للكتابة عنها، وضع خطة لمقالك وأفكاره، وهنا استعن بأدوات الكاتب السحرية؛ البحث والقراءة، واحرص على توثيق المعلومات والبيانات والاحتفاظ بها، مع تنظيمها بشكل مناسب ومتناسق يسهِّل عليك الرجوع إليها وقت الكتابة.
2. اختيار عنوان المقال
يَنصح كثير من المتخصصين في المجال الإعلامي، وحتى كتاب القصص والأدب بالتريث عند اختيار العنوان؛ باعتباره المروِّج الأول للمقال وما تم تناوله بين طياته، وما له من أثر في القرَّاء؛ فهو أول ما تنظره أعينهم، وبالتالي يجب على الكاتب أن يحسن اختيار عنوان مقاله.
يُفضل أن يُكتب العنوان بعد اكتمال المقال ليعبر عن موضوعه بصورة أشمل وأدق. وبصفة عامة هناك عدة أمور يجب مراعاتها عند اختيار عنوان المقال، لجذب القارئ وإقناعه بقراءة المقال، من أهمها:
- الجاذبية والتشويق: يشد القارئ ويلفت انتباهه فعندما نقول (القراءة بين الرقمية والورقية) عنوان جذاب يثير الفضول؛ وعلى العكس عندما نقول (أنواع القراءة ومصادر القراءة سواء الرقمية أم الكتب) عنوان تقليدي لا يجذب القارئ لمتابعة القراءة.
- الدقة والوضوح: ضع عنوانًا واضحًا مبينًا لمحتوى المقال؛ لا تختر عنوانًا مثيرًا يجذب القارئ ولا يعبر عن محتوى المقال فيحس القارئ بالخديعة.
- أن يكون قصيرًا: خير الكلام ما قل ودل وكذلك العنوان، فعندما نقول «النشر رسالة أم تجارة؟» هذا عنوان قصير دال على محتواه وجذَّاب، وعلى العكس عندما نقول (الجدل بين الدوافع المعرفية والتجارية لصناعة النشر).
3. المقدمة
هي الاستهلال الذي يُفتتح به المقال ووسيلة جذب أخرى، حيث تقدم تعريفًا مجملًا للموضوع يهيئ القارئ لاستقبال المعلومات، ويثير فيها الكاتب سؤالًا، أو يسرد قصة قصيرة، أو يستشهد بمقولة أو اقتباس؛ كل ما سبق أمثلة لبدايات يستعين بها الكاتب لتوضيح الموضوع وشد الانتباه. تمتاز المقدمة الجيدة بخلق الفضول والشغف لإكمال ما جاء في المقال، والعكس حين تكتب مقدمة سيئة تنفِّر القارئ وتجعله يُعرِض عن استكمال القراءة.
4. المتن
أصل الموضوع ولب المقال، اختلفت تسميته بين عرض ومحتوى ومتن وجسم وغيرها، إلا أنه يظل أحد أهم عناصر المقال. يجب على الكاتب كما أسلفنا أن يكون مخطِّطًا له في مرحلة الإعداد، تتوالى فقراته بتسلسل منطقي ومنهجي، ويتضمن أدلة داعمة ومصادر موثوقة، يشرح ويحلل فيه الكاتب الموضوع بشكل وافٍ ومستفيض.
أحيانًا تحدث الكثير من الكتابة المبتسرة، لسبب بسيط هو أنه ليس لدى الكاتب ما يقوله؛ فإذا وجدت مادة لمتن المقال حتى لو كان قصيرًا، ربما أفضل نصيحة لك أن تتحرى مجموعة من المصادر حول الموضوع، لإثراء تفكيرك ومنحك معلومات وأفكارًا للكتابة عنها في المقال.
5. الخاتمة
فيها خلاصة الموقف العام من الموضوع، وتكون في نهاية المقال وتعد آخر اتصال لك مع القارئ، لذلك تحتاج فيها أن تترك انطباعًا قويًّا. تحتوي الخاتمة عادةً على استنتاج منتظر حيث تتم معالجة الأفكار التي طُرِحتْ، أو تلخيص للأفكار الرئيسية في المقال، ويكون ذلك بشكل مختصر وبسيط بحيث يبقى في ذهن القارئ ملخَّصٌ لمحتوى المقال.
6. ذكر المراجع والمصادر
تعد إحدى الخطوات المهمة عند كتابة المقال، لأنها تؤكد صحة المعلومات وتتيح للقارئ التحقق من مصداقية ما ذُكر في المقال، وتمكنه من الوصول بيسر لمعلومات إضافية. احرص في كل مقال على استخدام عدد جيد من المصادر، لتضمن شمولية المعرفة ووفرة المعلومات لكتابة مقالك.
7. مراجعة المقال
يُهمل بعض الكتَّاب هذه المرحلة على الرغم من أهميتها وقيمتها في تقديم أعلى جودة بالمقال. تتضمن المراجعة تقييم الأفكار وأسلوب الكتابة وهيكل المقال، وتساعد على تنقيح المقال جيدًا بإجراء التعديلات المناسبة وإصلاح أي أخطاء في الكتابة، وأخيرًا تحرير المقال في صورته النهائية، لضمان عرضه بأفضل شكل ممكن.
اقرأ أيضًا: اسرق مثل فنان (قريبًا)
10 نصائح مهمة لكتابة مقال احترافي
تتطلب كتابة المقال مجهودًا مستمرًا، وفي كل مرة ستتعلم شيئًا جديدًا، ولأسهِّل عليك تجربة الكتابة فتزداد جودة مقالك، إليك هذه النصائح العشر:
- مراعاة استخدام صيغة المبني للمعلوم والحوار مع القارئ في المقال، ليشعر بأنَّ المحتوى موجَّه له ويخاطبه ويناقش تساؤلاته وأفكاره.
- كتابة الهدف من المقال بشكل واضح للقارئ، إذ يساعده ذلك على استيعاب المحتوى في سياقه المحدد.
- تحديد الجمهور الموجَّه له المقال، ودراسته جيدًا لتقييم مدى معرفته بالموضوع والتعرف على تساؤلاته واحتياجاته؛ هذه الرؤى تكون نواة لمقالك.
- الاهتمام بعملية البحث والتخطيط الجيد للمقال، فكلما استخدمت مصادر قوية في كتابتك، ساعد ذلك على زيادة جودة محتواك.
- تحديد نوع المقال واستخدام الأسلوب المناسب لكتابته.
- مراعاة استخدام تعبيرات وكلمات وأدوات ربط تكون ملائمة في الكتابة، وبدء كل فقرة بجملة افتتاحية أو مفتاحية واضحة، وتجنب تكرار الألفاظ في المقال.
- ترتيب الأفكار وسردها بشكل منطقي ما يمكن القارئ من الانتقال بينها بشكل متسلسل وسلس.
- الحرص على مخاطبة القارئ بالمنطق والحجج ودعم ما تتحدث عنه بأدلة مناسبة لإقناعه.
- كتابة عدد كلمات يلائم احتياج الموضوع، مع تجنب الإطالة والحشو في المحتوى، أو الاختصار المُخلِّ الذي لا يُساعد على تقديم الأفكار بالصورة المطلوبة.
- تضمين وسائل توضيحية في المقال إذا تطلَّب الأمر مثل الصور والرسوم البيانية وغيرها.
ختامًا، كان ما قدمته القواعد والأسس المهمة لكتابة المقال لتساعدك على أن تكتب مقالًا احترافيًّا، لكن تذكَّر أنَّ كتابة المقال مهارة نكتسبها بالتدريب والبحث والقراءة، ولا بد من دعمها بالتطبيق والممارسة المستمرة، ومع الوقت ستتطور مهارتك في كتابة المقال باحترافية.
المراجع:
- محمد يوسف نجم، كتاب فن المقالة، لبنان، دار صادر بيروت، الطبعة الأولى 1996.
- أمينة التيتون، كتاب كيف تكتب، مصر، دار الفكر العربي، الطبعة الأولى 2009.
- محمد صالح الشنطي، كتاب فن التحرير العربي، السعودية، الطبعة السابعة 2006.
قد يعجبك أيضاً
يستعرض المقال تاريخ أدب الرحلات من زمن ابن بطوطة وصولًا المزيد
تعرف على كيفية حماية حقوقك كمؤلف في هذا الدليل الشامل المزيد
يناقش هذا المقال العلاقة الناشئة بين الذكاء الاصطناعي وصناعة النشر، المزيد
1 تعليق
Omar
جميل جدا كاف وواف