«قالت لي ذات ليلة وأنا في السابعة من عمري: هل صليتَ العشاء؟ فقلت لها -کاذبًا۔ نعم! فنظرت إليَّ نظرة شك، وقالت: قلْ ما شئتَ، ولكنه قد رآك! فأفزعتني “قد رآك” هذه، وجعلتني أنهض لأصلي، رغم ادعائي الكاذب!»
هذا ما ابتدأ به المؤلف علي بن جابر الفيفي كتابه «لأنك الله: رحلة إلى السماء السابعة» الصادر عن دار الحضارة للنشر والتوزيع في عام 2021، وكان هذا الإهداء إلى أمه. لم تتخطَّ الصفحة الأولى بعد وجاء إهداء الكتاب يهزك من الداخل، يلامس قلبك لأنك ربما في يوم من الأيام ادَّعيت ادعاءً كاذبًا وتناسيت أن الله يراك! فماذا عن بقية الكتاب؟ إنه بلا شك أكثر روعة وملامسة لشغاف قلبك. حين تقرأ هذا الكتاب ستشعر مع كل صفحة أن روحك تسمو وتسمو، حتى تكاد تصل إلى معرفة الله مالك الملك في السماء السابعة، ولا يوجد فرحة تضاهي فرحة العبد مثل فرحته بمعرفة ربه وإقباله عليه.
كيف تقرأ الكتاب؟
معظم الناس لديهم طقوس وطرق مفضلة لقراءة الكتب، إما القراءة السريعة العابرة، أو القراءة المتأنية بتركيز أفضل الاقتباسات وتدوينها. لحسن الحظ أن أسلوب هذا الكتاب سلس بسيط، يجعلك تقرؤه بأي طريقة وفي أي مكان دون أن تستدعي طقوسًا معينة، وهو بدوره يدخلك في شعور روحاني ينسيك العالم بأكمله، يجعلك تتجاهل العباد وتولي كل تركيزك لمعرفة أسماء رب العباد.
أزعم أنه حتى من لا يحبون القراءة ربما ينهونه في جلسة واحدة أو جلستين فقط. إذا أكرمك الكريم الودود وجعل بين يديك هذا الكتاب، فلا تشغل نفسك بالوقت الذي تستغرقه فيه ولا بالطريقة المُثلى لقراءته. وفي كل الأحوال ستستفيد وتخرج منه بفائدة عظيمة ومعرفة واقعية عميقة ببعض أسماء الله الحسنى التي تناولها الكتاب.
جولة في الكتاب
أخشى أن أعطي نظرة مختصرة عن الكتاب فأهضم حقه، إذ لا يوجد أدق ولا أفضل من قراءة الكتاب بأكمله لتدرك مدى عظمته ورقة معانيه، ولكنها محاولة لتكون لديك نظرة ثاقبة تبصر بها ما بداخل الكتاب.
يُصنف الكتاب على أنَّه من كتب الرقائق. لم يتجاوز الكتاب مئتي صفحة ولكنك بعد قراءته تتساءل كيف يمكن لكتاب صغير الحجم مثل هذا أن يحوي كل هذه المعاني العظيمة عن أسماء الله الحُسنى! أثناء رحلتك في قراءة الكتاب، ستدرك معانيها بصورة عميقة، وتقرأ عنها قصصًا شيِّقة.
كتب المؤلف علي الفيفي هذا الكتاب بأسلوب رقيق عذب مستخدمًا ألفاظًا ودودة بسيطة ومستساغة. حيث قال في مقدمة الكتاب: «حرصتُ أن أجعله مما يفهمه متوسط الثقافة، ويستطيع قراءته المريض على سريره، والحزين بين دموعه، والمحتاج وسط کروبه»، ولم يكن هذا القول ادعاءً منه، فقد صدق في قوله وجاء الكتاب كما وصفه تمامًا.
يتكون الكتاب من عدة فصول أو مقالات منفصلة كل منها تستفيض في اسم من أسماء الله الحُسنى، وفي الفقرات التالية سأستعرض معك نبذة مختصرة عمَّا ذكره المؤلف عن كل اسم من أسماء الله.
1. الملاذ من كل شيء
ابتدأ الكتاب باسم الله «الصمد». ومن وفقه الله تعالى، جعله يعبده باسمه «الصمد». تعرف سورة الإخلاص؟ تقرأ «قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ، ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ»؟ إن لم تكن تعرف معنى الصمد، فهذا الجزء من الكتاب يعرفك عليه بأعذب المعاني والأمثلة، حتى تدرك حقيقة الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد.
يضرب المؤلف مثالًا بأنَّه إذا أعلن قائد الطائرة أنَّ عجلاتها ترفض التحرك، فيأخذ جولة في المطار إلى أن تحل المشكلة. ستجد أنَّ ركاب الطائرة نسوا كل الأشخاص والأشياء من حولهم، ولا يتذكرون إلا الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه.
2. الكوارث والمصائب تحدث باستمرار، ومع ذلك فأنت بخير!
انتقل الشيخ إلى اسم الله «الحفيظ». وسأل: حياتك في خطر؟ مديرك يتوعدك؟ تخشى على أولادك من رفقاء السوء؟ كلها أشياء مفجعة ولن يحفظك منها إلا الله الحفيظ.
ستدرك عظمة هذا الاسم عندما تقرأ الكلمات الحانية التي كتبها المؤلف عن الاسم، حتى أنك ستلازم صباحًا ومساءً دعاء: «اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي».
وفي سياق اسم الله الحفيظ يحكي المؤلف موقفًا حدث معه شخصيًّا، فيقول: «تعرَّضت طائرة كنت أحد ركابها إلى مطبات هوائية شديدة، لحظتها فقط استشعرت وبدقة كِبَر جرم الطائرة، وكيف أنها الآن في الجو تسبح فوق صحراء ممتدة، شعرت بشيء فوق الخوف، كيف كنت غافلًا طوال الرحلات التي ركبت فيها الطائرة عن هذه الصورة المفزعة لهذا الجرم الذي يتحرك في الجو بقدرة الله!».
3. تُحب ذوي من اللطف من البشر؟ تعرَّف على صانع الكون اللطيف
معلوم أن حفظ الله مقرونٌ بلطفهِ، لذا أتبع المؤلف اسم الله «اللطيف» باسم الحفيظ. يسأل المؤلف: «هل لديك أمانيٌّ بعيدة المنال، بينك وبينها أهوال؟ هل أخبرك الأطباء أن لا أمل في شفاء قريبك؟ هل تشعر باليأس لأن ما يمكنك فعله لن يأتي إليك بما تتمنى حصوله؟ إذن تعال تعرف إلى اسم الله اللطيف».
ستقضي في هذا الجزء من الكتاب وقتًا ممتعًا، وتصل إلى معانٍ بديعة ربما لم تكن تعرفها من قبل عن اسم الله اللطيف. يروي الكاتب عدة مواقف يتجلى فيها معنى اسم اللطيف، ويقينًا حدثت معك هذه المواقف أو ما يشبهها. وهذا ليس من باب الظن! بل من باب اليقين؛ لأن لطف الله يحيط بنا من جميع الجهات وفي جميع الأوقات حتى وإن كنَّا لا ندري.
من ضمن المواقف المشهودة التي رواها الكاتب: «تقود سيارتك في مرتفعات الجبال ثم فجأة ترى من الضرورة أن توقف سيارتك جانبًا لتتأكد من وجود شيء في درج السيارة؛ هويتك أو محفظة نقودك، وبعد ثوانٍ ترى أمامك صخرة عظيمة هابطة من أعلى الجبل؛ لو لم تقف لدكدكتك وسيارتك!».
حقيقة لا يمكن إنكارها، لطفه يجري وأنت لا تدري.
4. ماذا تفعل مع تفشي الأمراض في جسدك؟
انتقل المؤلف للحديث عن اسم الله «الشافي»؛ كاتبًا كلمات تلامس كل مريض حتى يكاد أصحاب الأمراض يحمدون الله على مرضهم هذا، الذي هدم سور الغفلة وأحوجهم إلى التعرف على اسم الله الشافي.
بدأ الكاتب حديثه عن اسم الله الشافي: «هل کرهت مراجعة الأطباء، وتعبت من السير في ممرات المستشفيات، واختلطت في عقلك أسماء العيادات بتواریخ المراجعات بأوجه المرضى؟ إذن ما رأيك أن أطلعك على شيء يغسل روحك من أوصابها وأتعابها؟».
إن اسم الشافي هو الذي يلازم لسانك إن مرضت أو أصابك داء ليس له دواء، فالله الشافي يشفيك بسبب، ويشفيك بأضعف سبب، ويشفيك بأغرب سبب، ويشفيك بما يُرى أنه ليس بسبب.
5. مسألة حسابية، هل تجيد الحل؟
1×1 كم يساوي؟ إجابة بدهية تقول الجواب واحد صحيح! لكن ماذا لو قلنا إن واحدًا يساوي سبعمائة! نعم مع الله الشكور تتغير المسائل الحسابية.
لتتصور المسألة الحسابية بالتفصيل يقول المؤلف: اقرأ وتخيل «مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مائَةُ حَبَّةٍ) هل انتهت؟ لا: «وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ» سبحانك!
تعمل عملًا واحدًا صالحًا يستحق أجرًا مثله، فيأجرك الله مثله سبعمائة مرة، ويضاعف لمن يشاء. إنه كرم لا يخضع للمعادلات الحسابية، بل للفضل الإلهي.
6. هل جبر كسرك بعد الحزن والصدمات النفسية مستحيل؟
فصَّل الكاتب تفصيًلا بديعًا في اسم الله «الجبار» وذكر أمثلة ومعانيَ تجبر قلبك المتهشم المنكسر، إذ لم يجبرك أحد إلا الجبار جابر المنكسرين، فاقرأ ما كتبه المؤلف عن هذا الاسم، وبعدها ستتعجب لماذا كنت تنتظر الجبر من شخص ضعيف مثلك وتناسيت اللجوء لله الجبار!
بكلمات حانية ينصحك الشيخ علي الفيفي أن تدعو وتقول: «جابر المنكسرين اجبر كسري» ثم تأمل في المعجزة وهي تشكل روحك من جديد.
7. بوصلتك ضائعة؟ فمن يهديك؟
هل أكلتك الحيرة؟ هل تشعر أن عقلك أعجز من أن يحدد لك الصواب من الخطأ؟ هل عُرضت عليك وظيفتان لا تدري أيهما أنسب لك؟ هل تزاحمت في عقلك مميزات فتاتين لا تدري أيهما تتزوج؟ بل هل تعبت من درب الضياع وتريد أن يمن الله عليك بأن يدلك إلى طريق النور والهداية؟
إذًا أنت مهيأ لبداية عهد جديد مع اسم الله «الهادي». في صفحاتٍ قليلة تحدث الكاتب عن اسم الله الهادي، فإن كنت واحدًا من هؤلاء الذين خصهم المؤلف بالذكر في السطور السابقة، فأنت في حاجة للتعرف إلى اسم الله الهادي لتسترشده ويهديك.
8. أيقبلني وقد فعلت كل المعاصي ومات فيَّ كل شيء؟
تكون الدنيا كلها سوداء في قلب المذنب، حتى يأتي تائبًا مستغفرًا الله الغفور، فتطل في قلبه إشراقة الصباح المضيء والأمل البهيج. في فصل اسم الله الغفور. الله لا سواه من يقبلنا على سوئنا وعلاتنا وآثامنا، حتى إنه سبحانه يفرح بتوبتنا!
ولن يتركك تتابع صفحات الكتاب دون أن تستغفر، تجده وسط السطور يكتب: «ما الذي تنتظره؟ قل أستغفر الله الآن».
9. تشعر بالوحشة؟ من الأقرب إليك؟
«قال لي صديقي مرة قبل أن يخرج من زيارتي في غرفتي بإسكان الجامعة: اكتب لي في هذه الورقة كلمة لأقرأها وأنا عائد إلى غرفتي، فكتبت له: إنه يراك الآن، أخبرني فيما بعد أنه فُجع بها!».
ختامًا كلما أمعنت النظر وعكفت على قراءة هذا الكتاب، تزداد معرفتك بأسماء الله الحسنى بشكل يفجر فيك طاقة إيمانية. بتعبير أدق: يمكن فعليًّا للكتاب أن يكون له أعظم أثر في تغيير حياتك، فلا تكسل عن قراءته فإنه نفيس جدًّا، ومدخلٌ ممتاز للتعرف على أسماء الله الحسنى.
بقراءتك باقي صفحات فصل اسم الله القريب، ستدرك أنه يا له من قرب عجيب، أقرب من قرب أصدقائك وأهلك ورحمك.
ختامًا كلما أمعنت النظر وعكفت على قراءة هذا الكتاب، تزداد معرفتك بأسماء الله الحسنى بشكل يفجر فيك طاقة إيمانية. بتعبير أدق: يمكن فعليًّا للكتاب أن يكون له أعظم أثر في تغيير حياتك، فلا تكسل عن قراءته فإنه نفيس جدًّا، ومدخلٌ ممتاز للتعرف على أسماء الله الحسنى.
قد يعجبك أيضاً
المحرر هو الجندي المجهول في الكتابة، يصقل النص ويضمن جودته المزيد