مقالات

عناوين الكتب (كيف تسوِّق للإبداع من خلال العنوان؟)

"اختيار العنوان صنعة، فتعلمها من أساتذتها!" هذا المقال يسلط الضوء على أهمية العنوان في جذب القارئ وتحقيق التواصل والتسويق للكتاب بشكل فعال، اقرأها الآن وتعلم كيف تسوق لكتبك
«المكتوبُ يُقرأ من عنوانِهِ»
«العنوانُ هو عتبةُ النصِ»

للعنوان سطوة لا يمكن إغفالها، فله القدرة على جذب الانتباه أو صرفه، ومنه يبدأ الحكم على الكتاب؛ حكمٌ يحمل في طياته ترشيح الكتاب للقراءة، من دون أن يمتد هذا الحكم إلى محتوى الكتاب الداخلي، وعلى الرّغم من عدم الامتداد هذا، يحفز العنوان الإبداعي القارئَ المُحتمَل على اقتناء الكتاب، ما يساعد في عملية التسويق. وللعنوان وظيفة مهمَّة، تتمثل في تحقيق التواصل بين المؤلف والمتلقي، فالعنوان الذي اختاره المؤلف، والمكوَّن من بضع كلمات مُشكَّلة تشكيلًا إبداعيًّا دالًّا، يتواصل من خلاله الكاتبُ مع القارئ في المرحلة الأولى، ألا وهي مرحلة اختيار الكتاب واقتنائه، فيدفعه إلى شرائه أو الابتعاد عنه وتجاهله.

"المكتوبُ يُقرأ من عنوانِهِ"

مقولة لم تترك للتأويل مجالًا، فهي قاطعة مانعة، تحمل في طياتها معانيها وتفاسيرها. فكل مكتوب، أيًّا كان نوعه لا بدَّ من أن يكون له عنوان يعبر عمَّا فيه، أو يحتال بعنوانه عمَّا يحمله من أفكار، فيأخذ القارئ إلى حيث يشاء المؤلف. 

"العنوانُ قرينٌ بصاحبهِ وبما يعنونُ لهُ"

وهو ما أدركه المؤلفون القدامى الذين حرصوا على وضع عنوان لما يكتبون، وكان العرب والفرس يزخرفون صفحة العنوان إيمانًا منهم بأهمية العنوان ودوره، فما من كتاب إلا وله عنوان، وإن كان الشعر استثناءً في مادته وعنوانه؛ إذ لم يهتم العرب بعنونته وتركوه مرتبًا بالهجائية العربية، فحمل عنوان مؤلفه، فسُمي: ديوان الخنساء، وديوان المتنبي، وهكذا.

«العنوانُ هو عتبةُ النص»

مَثَّلَ عنوان الكتاب أهمية وظيفية للقدامى، فكان يُعبر عن محتوى الكتاب، ونسبته إلى صاحبه، فكان العنوان صريحًا ومباشرًا إلى حدٍّ بعيد، سواء في الكتب اللاتينية واليونانية أم العربية، مثل كتاب الخلاصة اللاهوتية للقديس توما الإكويني، وهو -كما يتضح من عنوانه- يناقش اللاهوت المسيحي. ومن الكتب العربية التي تتضح فيها وظيفة العنوان تفسير الطبري «جامع البيان لتفسير آي القرآن»؛ فالعنوان شارح لمحتوى الكتاب.

«العنوانُ مفتاحُ التسويقِ فأحسنْ اختيارَ مفتاحِكَ»

العنوان عند جيرار جنيت: «مجموعة من العلامات اللسانية… التي يمكن أن تُوضع على رأس النص لتحدده، وتدل على محتواه لإغراء الجمهور المقصود بقراءته» فقد حدد جيرار هدفًا مهمًّا من أهداف العنوان، ألا وهو التسويق، فإضافةً إلى أهمية العنوان الوظيفيَّة، تُناط به مهمة أخرى، وهي المهمة التشويقية التسويقية، إذ علينا الاعتراف أنَّ الكتاب يُشترى من عنوانه، فأمام زخم الكتب التي تُنشر وارتفاع أسعارها، فإنَّ القارئ يتحرى الدقة فيما يشتري من كتب، وأول ما تقع عليه عيناه هو عنوان الكتاب؛ فعنوان الكتاب هو أول لقاء بين المؤلف وقارئه. وفي ذلك اللقاء، على المؤلف أن يجذب قارئه من أول نظرة وإلا فسينصرف عنه. وأمام العدد الكبير من الكتب الموجودة على رفوف المكتبات، فضلًا عن الكتب الموجودة في المعارض، فإنَّ أمام عنوان الكتاب منافسة شرسة من أجل اجتذاب عين القارئ من بين مئات الكتب على الرفوف. وعلى هذا، فإنَّ عنوان الكتاب دخل مضمار عملية التسويق.

«العنوانُ الجيدُ يسوِّقُ أكثر»

لن نجادل كثيرًا في أهمية العنوان في التسويق، فهناك مثال أيقوني حسم هذا الأمر منذ أكثر من نصف قرن، ففي عام ١٩٨٢ صدر كتاب Astro-Logical Love «الحب الفلكي المنطقي» لنورا هايدن، ولم تكن مبيعات الكتاب بأفضل حال، إذ بيعت٥٠٠٠ نسخة فقط، وفي عام ١٩٩٨ أُعيد نشر الكتاب مرة أخرى مع تغيير عنوان الكتاب فقط دون أي تغيير في المحتوى، اختير عنوان الكتاب How to Satisfy a Woman Every Time…and Have Her Beg for More!” «كيف تُشبِع المرأة في كل مرة… وتجعلها تتوسل منك المزيد» هذا الكتاب أصبح من أكثر الكتب مبيعًا. إذ بيعت منه مليونان ونصف المليون نسخة (2,500,000) ، وفقًا للنيويورك تايمز. فما الذي تغير في الكتاب؟ لا شيء إلا العنوان، فالعنوان استطاع أن يسوِّق للكتاب، بل إنَّه أعاد الحياة للكتاب من جديد.

«دارُ النشرِ ليستْ مخزنًا لكتابكَ، بل هي شريكُ رحلةِ نجاحِ الكتابِ»

تتبع دور النشر إحدى الطرق الثلاث. الطريقة الأولى: وهي التعاقد مع مؤلِّف مشهور لنشر أعماله، وفي هذه الحالة، تتحمل دار النشر التكاليف وتدفع للمؤلِّف، أما الطريقة الثانية: فهي التعاقد مع كتَّاب غير مشهورين لنشر مؤلفاتهم، ووفق هذه الطريقة، يتحمل الناشر والكاتب المصاريف مناصفة، ويُحدد لكلٍّ منهما نسبة من الأرباح، والطريقة الأخيرة: هي تعاقد دور النشر مع المؤلِّفين الجدد الذين ينشرون لأول مرَّة، ووفق هذه الطريقة، يتحمل الكاتب تكلفة إعداد الكتاب ويكون للناشر جزءٌ من الأرباح.

نلحظ أنَّه في الحالات السابقة يكون للناشر جزء من أرباح البيع، وهو ما يجعله متحمسًا لبيع أكبر عدد من النسخ. وبناءً على هذا، فإنَّ دور النشر تشارك -وبشكل كبير- في اختيار عناوين الكتب، ففي حوارٍ لنا مع الأستاذ «أحمد مهنى» مدير عام النشر والتطوير في دار دون، وهي إحدى دور النشر الرائدة وذات الشعبية الكبيرة بين القرَّاء، والمعروفة بخبرتها التسويقية والتفاعلية مع القارئ، أكَّد مهنى أنَّ عملية اختيار العنوان هي مسؤولية مشتركة بين الكاتب والناشر، إذ يتناقش المؤلف مع هيئة التحرير في دار النشر من أجل الوصول إلى عنوان مناسب. 

أما «رنا حايك» مدير التحرير في دار نشر هاشيت أنطوان نوفل اللبنانية فتقول إنَّها غيَّرت مئات العناوين لأسباب كثيرة. أولها: عدم تناسق العنوان مع مضمون الكتاب، وثانيها: طول العنوان الذي قد لا يتناسب مع التصميم، وثالثها: مدى جاذبية العنوان. وتفسر حايك الأمر: دارُ النشر لا تطبع خدمة للمؤلفين فحسب، بل ابتغاء المردود المالي الذي قد يحققه بيع الكتاب. وبرأي الحايك، فإنَّ كتبًا كثيرة ظُلمت بسبب عناوينها، وأخرى اشتُهرت وقُرئت على نطاق واسع بسبب عناوينها أيضًا.

اختيار العنوان صنعة، فتعلمها من أساتذتها!

عنوان كتاب المؤلِّف ليس هبة أو منحة، يأتي عفو الخاطر، بل إنَّ المؤلِّف يظلُّ يبحث عنه مرارًا وتكرارًا حتى يعثر عليه؛ فقد اختار «ناصر عراق» أربعين عنوانًا حتى ارتضى «العاطل» عنوانًا لروايته. بينما كانت روايته «نساء القاهرة . دبي» أكثر حظًّا؛ إذ تناوب عليها خمسة وعشرون عنوانًا إلى أن استقر على عنوان يرضيه. 

هنالك كتَّاب أكثر حظًّا، إذ تولد رواياتهم وعناوينها معها، فيرتبط العنوان بالرواية ويعبِّر عنها، وهذا ما حدث في رواية «الصياد واليمام» لإبراهيم عبد المجيد. في حين أنَّ هنالك كتبًا أخرى، تنتظر مؤلفها ليفرغ منها، فينطلق مجددًا في رحلة البحث الشائكة عن عنوان مناسب وجذَّاب، وهذا العنوان قد يجده في بداية رحلة البحث، وقد يطلب يد العون من معارفه وأصدقائه.

دليلك لاختيار عنوان الكتب النظرية والعملية

أما عناوين الكتب النظرية والعلمية فتتميز بأنَّها عناوين محددة، ومنظَّمة، ومباشرة، وواضحة ولا مجال كبير فيها للإبداع أو التورية أو الاستعارة، فيجد الكاتب نفسه أمام معايير محددة لاختيار عنوان كتابه النظري أو العلمي. وفي هذا النوع من الكتب لا بدَّ من أن يبتعد المؤلِّف عن المراوغة في اختيار العنوان، إذ يعرف أنَّ الفئة المُستهدفة في هذا الكتاب لها حاجات معرفية محددة تريد الوصول إليها، ولا يهمها العنوان بالدرجة الأولى بقدر ما يهمها المحتوى الذي ستصل إليه. ومن عناوين الكتب النظرية والعلمية: «تيارات الفلسفة في القرن العشرين» ليمنى طريف الخولي، و«فكرة الاضمحلال في التاريخ الغربي» لآرثر هيرمان.

ومن شروط هذا النوع من الكتب وجود عنوان فرعي يشرح العنوان الرئيسي إذا استدعت الحاجة ذلك، حيث تحتاج بعض العناوين لمزيد من الشرح والتفصيل حتى يتعرَّف القارئ المستهدَف على محتوى الكتاب من عنوانه، ومن أمثلة هذا، كتاب «شركة المستقبل: دليل للمحاسبين والمحامين وغيرهم من مقدمي الخدمات المهنية».

العنوان الروائي والتسويق:

إنَّ العنوان الروائي واحدٌ من أكثر العناوين إبداعًا وتحيرًا في آن واحد، فالكتب الروائية والإبداعية عمومًا تكون عناوينها دافعًا للقراءة والشراء. والعناوين في الأعمال الإبداعية متنوعة إلى حد بعيد، إذ يعمد الروائي -حين يختار العنوان- إلى تكثيف الخطاب الروائي، وتلخيصه، مع مراعاة أن يكون العنوان مجازيًا بشكل غير مباشر، ومصاغًا بشكل فني مع استخدام الرمز أو أن يكون غريبًا حتى وإن أدى هذا إلى عدم إدراك القارئ. وتلك اجتهادات متنوعة تعتمد على ذائقة الكاتب نفسه، وقدرته على المناورة في اختيار العنوان. وعلى الرّغم من وجود اختلافات بين المؤلفين في اختيار عناوين كتبهم الإبداعية إلا أنَّه يمكننا وضع بعض القواعد التي تُساعد في جعل العنوان أكثر قابلية للتسويق.

حفِّز القارئ:

من استراتيجيات اختيار عنوان سهل التسويق هو العنوان المحفز على التساؤل، حتى وإن كان السؤال غريبًا، فالسؤال الباعث على الدهشة مقصودٌ لذاته، وفي الحديث عن آليات عمل العنوان على مستوى التلقي يذهب الروائي محمد سليم شوشة إلى أنَّه «يعمل منفردًا على الغلاف وبعيدًا عن تلقي النص، ثم يعمل كذلك وقت القراءة والاندماج مع بقية النص الروائي، حيث تستدعيه ذاكرة القارئ بشكل من الأشكال أو يتكرر حضور العنوان كليًّا أو جزئيًّا داخل المتن».

شارك الآخرين في اختبار عنوانك:

قديمًا، كان المؤلفون يلجأون إلى أصدقائهم والمقربين لمشاركتهم في اختيار عناوين كتبهم. وفي العصر الحديث، انفتحت آفاق أخرى للتواصل، فأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة ناجحة لاستطلاع رأي العديد من الأشخاص ذوي الخلفيات الثقافية المختلفة، كما أنَّ الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يقدِّم لك العديد من العناوين الجذابة والمتنوعة والفريدة، ويتحقق هذا بإدخال الأفكار الرئيسة للكتاب، وتحديد نوع العنوان، والفئة المستهدفة، وعدد الكلمات المطلوبة، وما إلى ذلك مما يهمك، فيقترح عليك عددًا من العناوين التي تستفيد منها في صياغة عنوان كتابك أو تتخذها مباشرة عنوانًا للكتاب.

صدمة العنوان لا تُنسى:

يلجأ بعض الكتاب إلى إلقاء عنوان محير وصادم في وجه القارئ، ما يجعله يتساءل عمَّا يُقصد من وراء العنوان، هذا بالإضافة إلى الضجة التي يحدثها العنوان في محيطه وقرَّائه، ولعلَّ هذا هو ما حدث في كتاب «آيات شيطانية» الذي كان عنوانه كافيًا لإهدار دم مؤلفه، وكذلك فعل زكريا أوزون في كتابه «الكفر المباح». 

جاذبية الأرقام:

للأرقام سحرٌ خاص في العنوان، فهي تعلق سريعًا في ذهن القارئ، فضلًا عن أنَّها تعبر عن المصداقية فيما يطرحه الكتاب، ومن هذه العناوين التي حققت رواجًا كبيرًا: «العادات السبع للأفراد الأكثر فعالية»، و«6 خطوات لنقل زواجك من الجيد إلى العظيم»، و«21 رطلًا في 21 يومًا».

لا تبالغ في عدد كلمات العنوان:

لا يوجد عددٌ محدد لكلمات العنوان، ولكن على أي حال لا تجعل العنوان طويلًا، فيملَّ القارئ من الكتاب من عنوانه، فالعنوان الجيد هو الذي يعبر عمَّا تريد بأقل عدد ممكن من الكلمات. وعمومًا، فإنَّ العنوان الملائم للكتاب لا يزيد عن خمس كلمات.

استثر القارئ:

العناوين المبهمة وذات المفاهيم الخاصة المنغلقة تحقق فضولًا لدى القارئ يدفعه نحو الرغبة في كشف اللثام عن الكتاب، ومن العناوين ذات الدلالة على هذا: «الرديف»، و«تماثيل الجان»، و«ساعات الأسر».

خاطب القارئ:

يحرص بعض المؤلفين على مخاطبة القارئ، بحيث يشعر أنَّ هذا الكتاب أُلف لأجله، وأنَّه الشخص المقصود منه، ما يجعله يقبل على شرائه، ومن هذه الكتب «اتبعي قلبك»، و«تخلص من عقلك».

توافق العنوان مع محركات البحث:

في عصر الإنترنت والعالم الرقمي يبحث القرَّاء عن الكتاب على الإنترنت قبل شرائه. لذا، فمن الضروري أن يتوافق العنوان مع قواعد محركات البحث حتى يكون في طليعة النتائج. ومن هنا، لا بدَّ من استخدام الـ SEO في كتابة العنوان، ومعرفة العناوين الأكثر بيعًا في المواقع الإلكترونية وقوائم الناشرين في تخصص الكتاب.

العناوين غير المستساغة:

أحد العناوين التي يُروَّج لها وتروج هي لنفسها العناوين التي تحمل مجازًا فيها، وهي بذلك تدفع القارئ نحو محاولة فك لغز العنوان، والذي لن يكون إلا من خلال قراءته.

تضمن لك تلك الإرشادات اختيار عنوان جذاب، لكن ليس من مهمتها إنجاح كتابك، فمهمة العنوان الأساسية منحك فرصة الحصول على الإعجاب من أول وهلة، بيْدَ أنَّ ذلك الإعجاب لن يدوم إلا إذا كان المحتوى على القدر نفسه من جودة العنوان. فنحن في عصر تُستخدم فيه كلُّ الوسائل المتاحة في التسويق، وأول آليات التسويق هي العنوان، فاحرص على أن يكون عنوانك معبرًا عن شخصية روايتك أولًا وشخصية المؤلف ثانيًا، واتبع الآتي:

  • لا تستخدم عنوانًا مستخدمًا بالفعل، فتتوه فيه.
  • لا تسرف في العنوان، فالملل شعور سيئ.
  • كن قارئًا قبل أن تكون كاتبًا، واقرأ العنوان، بوصفك متلقيًا.
  • العنوان مثل مقطوعة موسيقية، سرٌّ خاص بالمؤلف، فدع كلَّ شخص يتخيل العنوان كما يريد، ولا تفضح سرك.

وأخيرًا، إنَّ العنوان هو ذلك الجزء المقروء من الصفحة الأولى للكتاب، وهو يتكامل مع غلافه، فلا بدَّ من تحقيق التناسق بين العنوان وتصميم الغلاف؛ من حيث نوع الخط، وحجمه، وتنسقيه، ولونه.

Shares:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *