لا يمكن لأحد إنكار أثر الجوائز بوصفها إحدى أهم وسائل التحفيز للبشر عامة، وفي صناعة النشر العربية توجد العديد من الجوائز التي تُقدَّم للكُتاب المبدعين، ما ساعد على زيادة الكتب المؤلفة سنويًّا، وتطور المنافسة بين الكتب، فترتقي الكتب إلى مستوى جدير بالقارئ العربي.
يقول الروائي شاكر الأنباري:
«إن الهدف من الجوائز الأدبية هو تشجيع المواهب الإبداعية، ومكافأة البارعين المجددين في ابتداع أساليب أصيلة. وفي عالمنا العربي شجعت الجوائز الروائية جيلًا هائلًا من الكتاب على طموح الفوز. ولعل جائزة نوبل خير مثال على ذلك، فهي لم تمنح جائزتها إلا لمن يستحقونها».
لكن للجوائز المالية وضعها الخاص بين المؤلفين والقائمين على صناعة النشر في الوطن العربي، فبقدر ما يراها بعضهم أحد أهم العوامل التي تساعد على النهوض بالأدب العربي، يرى آخرون أنها سبب رئيس في تدهور الآداب العربية، وانتشار الغث منها بغية الحصول على الجائزة والشهرة فقط دون تقديم أثر أدبي يذكر.
فدعنا نتعرف في هذا المقال على الجوائز المالية الأشهر في الوطن العربي، وما أثرها الحقيقي على صناعة النشر العربية.
مثال واقعي على أثر الجوائز المالية في صناعة النشر العربية
لعلَّ ما حدث مع العبقري الراحل نجيب محفوظ هو أشهر مثال على أثر الجوائز المالية في صناعة النشر العربية. فإننا نشير دومًا لنجيب محفوظ كونه كاتبًا محظوظًا لديه الكثير من الأعمال الأدبية، فهل فعلًا كان محفوظ محظوظًا؟
أصدر نجيب محفوظ عدة روايات ثم واجهته عقبات في النشر جعلته يفكر في التوقف عن الكتابة، ولم يستطع تجاوز هذا التوقف إلا باشتراكه في إحدى المسابقات عام 1944 وفاز فيها، وتلقى جوائز مالية كانت الدافع لاستمراره في الكتابة، وبعدها بأربعين عامًا فاز بجائزة نوبل للآداب.
توقع أن ما حدث مع نجيب محفوظ قد يكون حدث مع واحد من أحد كتابك المفضلين، وربما كنت ستفقد متعة القراءة لهم لولا الجائزة. وهنا يظهر أثر الجوائز المالية في صناعة النشر العربية، إذ شجعت الكتَّاب على تحقيق إبداع أدبي رفيع المستوى والتفرغ للكتابة لخلق أعمال فنية استثنائية.
وفي هذا السياق يقول المفكر والناقد الأكاديمي عبد الله إبراهيم:
«إن الجوائز الأدبية تنشِّط القراءة وفعل الثقافة بالدرجة نفسها التي يقوم بها الإعلام الثقافي، وإن الجوائز المالية بصرف النظر عن جوانبها المادية والمعنوية تقوم بتصفية الأعمال الأدبية وغربلتها».
أشهر 4 جوائز مالية تُتوج جهود الكتَّاب والناشرين سنويًّا في العالم العربي
توجد 4 جوائز مالية تنتظر مستحقيها من الكتَّاب الذين صدرت لها أعمال عربية مميزة:
1. جائزة نجيب محفوظ للأدب
تعد جائزة نجيب محفوظ للأدب من أبرز الجوائز المشجِّعة للكتاب المبدعين في العالم العربي، حيث تُمنح كل عام في حفل بهيج يوم 11 ديسمبر، وهو اليوم الذي يوافق ذكرى ميلاد الكاتب العظيم نجيب محفوظ.
أسس قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة هذه الجائزة عام 1996، وتبلغ قيمتها 75 ألف جنيه مصري. وتُمنح لأفضل رواية مصرية ولأفضل رواية عربية، مع ترجمة الرواية الفائزة إلى الإنجليزية ونشرها، مما يجعل الكاتب الفائز يحظى بالدعم المالي والتقدير الأدبي. ومن أشهر الأعمال الحاصلة على الجائزة : رواية «الباب المفتوح» للكاتبة المصرية لطيفة الزيات، ورواية «رأيت رام الله» للكاتب الفلسطيني مريد البرغوثي.
2. جائزة البوكر العربية
إن الرواية التي تصنع انقلابًا حقيقيًّا في عالم الروايات تستحق جائزة البوكر العربية. فهذه الجائزة واحدة من أهم الجوائز الأدبية في الوطن العربي، وتُقدَّر قيمتها المالية بمئة ألف دولار.
تكمن إحدى جوانب التميز في اختيار الفائزين بجائزة البوكر العربية في أن الكتَّاب لا يستطيعون تقديم رواياتهم بأنفسهم، بل يقوم القائمون عليها بالتشاور مع دور النشر لتقديم أفضل الأعمال. وتتميز البوكر العربية بالشمولية في اختيار مختلف أعمال الرواية الأدبية وتقديم جائزة مالية مغرية، مما يجعلها محط انتباه الكتَّاب والقرَّاء على حد سواء. ومن أشهر الأعمال الحاصلة على الجائزة رواية «واحة الغروب» للكاتب المصري بهاء طاهر، ورواية «ساق البامبو» للكاتب الكويتي سعود السنعوسي.
3. جائزة كتارا للرواية العربية
جائزة كتارا إحدى أهم الجوائز في العالم العربي وتهدف إلى دعم كتَّاب الرواية العربية وتشجيعهم. يمكن أن يفوز بها أشهر الروائيين والكتَّاب المعروفين، كما يمكن أن يفوز بها الكتَّاب الجدد. إن الفوز بجائزة كتارا معناه الفوز بجائزة مالية تصل إلى 30 ألف دولار أمريكي لكل رواية فائزة. وذلك بالإضافة إلى ترجمة العمل الروائي إلى لغات عدة من بينها الإنجليزية والإسبانية والفرنسية، وتحويل الروايات الفائزة إلى أعمال درامية مميزة، وتحظى الروايات التي لم ترَ النور بعد بالنشر والتسويق. ومن أِشهر الأعمال الحاصلة عليها: رواية «أرواح كليمنجارو» للكاتب الأردني إبراهيم نصر الله، ورواية «الجمعية السرية للمواطنين» للكاتب المصري أشرف العشماوي.
4. جائزة الشيخ زايد
جائزة الشيخ زايد للكتاب واحدةٌ من أهم الجوائز العربية. أُطلِقتْ أول مرة عام 2007 تخليدًا لذكرى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. وتقدَّم سنويًّا للكتَّاب المتألقين في مجالات التأليف والترجمة في العلوم الإنسانية والثقافية والأدبية والاجتماعية.
وقد بلغت القيمة المادية الإجمالية للجائزة سبعة ملايين درهم، إذ يُمنح الفائز في كل فرع مبلغًا ماليًّا قدره 750 ألف درهم، إلى جانب ميدالية ذهبية وشهادة تقدير تكريمًا للأعمال المميزة. ومن أهم الأعمال الحاصلة على الجائزة: رواية «كفاح الأمير» للكاتب الجزائري واسيني الأعرج.
هل للجوائز المالية أثر في نفوس الكتَّاب؟
يطرح بعضهم السؤال المحيِّر: هل الكتَّاب ينتظرون الجوائز المالية ويسعدون بها لدرجة تجعلنا نلمس أثرًا للجوائز المالية في صناعة النشر العربية؟
إن التحديات التي تواجه الكتَّاب في مسيرتهم الأدبية لا حصر لها. ورغم وجود خيار الانسحاب عن الكتابة باعتباره الاختيار الأسهل، إلا أن معظم الكتَّاب يجبرون أنفسهم على مواصلة النشر والتأليف لأن لهم هدفًا واضحًا يكمن في إمتاع القارئ وإفادته وإثراء المحتوى العربي.
وعندما ينشر الكاتب عمله الذي كتبهُ ينسى معاناته أثناء الكتابة والتأليف، وينسى مخاوفه وقلقه ووجع أصابع يديه وهو يمررها عبر لوحة المفاتيح، أو عندما كان ممسكًا بالقلم مفرغًا فيه الحبر على الورق. وعندما يُبصر العمل الأدبي النور وينال إعجاب القراء، حينها يسعد الكاتب. ونيله جائزة مالية يجعله أسعد، إذ إن زيادة الخير خيران.
شُبهات حول أثر الجوائز المالية في صناعة النشر العربية
تُثار دائمًا شبهات حول أثر الجوائز المالية على صناعة النشر العربية، ويمكننا تلخيص أهم الشبهات في النقاط الآتية:
- انتقاد بعضهم فكرة الجوائز المالية وأنَّها نوع من الهراء يقلل من قيمة الأعمال الأدبية وأهميتها.
- اتهام الكتَّاب والناشرين بالسعي خلف الجوائز المالية لتحقيق الشهرة والأرباح.
- اعتقاد بعضهم أن الكتَّاب أحيانًا يحصلون على الجوائز المالية بسبب الواسطة والمحسوبية لا لإبداعاتهم الأدبية.
- اتهام لجان الجوائز أنفسها أنَّها أحيانًا تختار العمل الفائز وفقًا لشهرته حاليًا على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبالطبع يمكن لأحدهم تفنيد هذه الشبهات والرد عليها جميعًا، لكنَّ بعضها سيقع في إطار وجهات النظر عن الأمر، ورؤية كل طرف للجوائز من زاويته التي يتحدث عنها. رغم ذلك سنجد في النهاية ما يُثبت أثر الجوائز المالية في صناعة النشر العربية، حتى مع وجود هذه الشبهات.
فالواقع أنَّ الجوائز المالية لا تقلل من قيمة الأعمال الأدبية، بل في الكثير من الأحيان تزيد من قيمتها بالمساهمة في انتشارها وترجمتها لتصل إلى جمهور أوسع ويصبح لها صيت في المشهد العربي.
وتكريم الكتَّاب بجوائز مالية هو مجرد تقدير لما أفنوه من ساعات طويلة ليخرجوا لنا بمحتوى عربي أصيل يستحق الإشادة. فالإنسان بطبيعته يحب أن تُقدَّر أعماله، سواء كان التقدير أن تقول له أحسنت، أو أن تعطيه جائزة مالية يستلمها بكل سرور. كما أنها تعد اعترافًا بتميُّز الكتاب وتوفر لهم دعمًا يساعدهم على التفرغ للكتابة وتشجعهم على المزيد من الأعمال الفريدة المتقنة.
أما عن اتهام الكتَّاب والناشرين بسعيهم خلف الجوائز المالية، فهم حقًّا يسعون، لكن يسعون خلف بناء سمعة حسنة وإلى تقديم أعمالهم بشكل متميز يحقق لهم النجاح والتقدير الذي يتمنونه، فالجوائز المالية ليست هدفًا في حد ذاته، بل حلاوة تأتي بعد تحقيق الهدف الأصلي.
يقول الكاتب واسيني الأعرج:
«أي كاتب عاقل لا يمكن له أن يفكر ويكتب من أجل الجائزة ... لكن الجائزة فعل اعتراف يدل على أن المجهود المبذول له صدى ليس لدى القارئ العادي ولكن لدى القارئ المختص»
إن أي كاتب يعلم في قرارة نفسه أنَّه لا يمكنه الفوز بجائزة مالية دون أن يثبت تفوُّقه، والسبب ببساطة أن الجوائز تُمنح وفقًا لأسس ومعايير خاصة، فيبذل الكاتب جهده ليل نهار ليخرج لنا بأفضل محتوى عربي، وهذا منتهى أمله. ولا يوجد ما يمنع أن يتمنى الكاتب لعمله الفوز في إحدى المسابقات التي تقدم جوائز مالية، فلا يختلف اثنان على أن التقدير المادي يدخل السرور على القلب.
أمَّا عن شبهة القول بحصول الكتَّاب على الجوائز المالية بسبب الواسطة والمحسوبية لا إبداعاتهم الأدبية، فالجوائز المالية تُمنح بناءً على معايير محددة أهمها جودة الأعمال الأدبية وتميزها، وتوجد لجان تحكيم مختصة بتقييم الأعمال المنشورة بدقة شديدة، وغالبًا ما تتكون من خبراء ومتخصصين يختارون الفائزين بناءً على معايير فنية وأدبية.
هذا لا ينفي طبعًا احتمالية تدخل العلاقات الشخصية، أو انحياز اللجنة لعمل دون الآخر، فهذه الشبهات لا يمكن لأحد إثباتها أو نفيها يقينًا، لكن في النهاية وجود الأمور التنظيمية السابقة يقلل من التشكيك في استحقاقية الجوائز التي تُمنح في الوطن العربي.
أثر الجوائز المالية على القارئ العربي
ليست صناعة النشر وحدها المستفيدة، توجد أيضًا فوائد يجنيها القارئ من الجوائز الأدبية. فمثلًا، هناك دومًا أعمال عربية منشورة تنتظرك أيها القارئ لتقرأها، لكن أي الأعمال تحديدًا ستقرأ؟
مع وفرة المعروض وحرصك على انتقاء الأفضل، يمكن أن تختار من الأعمال الحائزة على جوائز مالية وتقديرية حتى لا تضيع وقتك في الحيرة والتشتت. ربما تجد العمل الحائز على الجائزة ليس العمل الأفضل من وجهة نظرك، لكن الاحتمال الأكبر أنه سيروق لك. وإن حدث خلاف ذلك فلا بأس، فالأعمال العربية المنشورة ليست مقدسة إلى الحد الذي يمنعك من إبداء رأيك والحكم عليها بنفسك من وجهة نظرك قارئًا.
وختامًا، فإن الجوائز المالية تمثل دافعًا قويًّا في صناعة النشر، وتضفي نكهة ممتعة على رحلة النشر والتأليف، وتجعل الناشرين يسعون لاستقطاب الكتَّاب المميزين؛ ما يسهم في تطوير مستوى الصناعة عامةً.