منذ نشأة الروايةِ العربية في أوائل القرن الماضي وهي في اشتباك مباشر مع أسئلة الواقع حتى ولو كانت ذات طابع تاريخي، أو جمحت في الخيال والفانتازيا. ولهذا فهي تلعب دورًا ملهمًا في التنوير، إذ سلَّطت الضوء على قضايا سياسية وفكرية واجتماعية مهمة، ناقشتها بذكاء وإبداع، وساهمت في تطوير وعينا بها. وفي هذا المقال نسلِّط الضوء على روايات من عيون الأدب العربي المعاصر، يجمعها، وإن بدت مختلفةً في مضمونها وفكرتها، تناولُها لهموم المجتمع العربي في العصر الحديث.
1. أولاد حارتنا
نُشرت أولاد حارتنا للأديب المصري الكبير نجيب محفوظ عام 1959م في صفحات جريدة الأهرام، وفي عام 1962م صدرت في كتاب كامل عن دار الآداب ببيروت. وحصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل في الآداب عام 1988م، وكانت الرواية أحد الأعمال العشرة التي ذُكرت في التنويه عن فوزه بالجائزة.
يتحدث محفوظ في الرواية عن القهر وتغير المبادئ بتغير النفوس البشرية، وتهليل الناس دائمًا للمنتصر حتى لو كان ظالمًا لهم. وبالرغم من ظهور مخلّصٍ في كل جيل يقودهم ضد الفتوات، سرعان ما يعودون مرة أخرى للفقر وسوء الحال بسبب الجهل والجشع والنسيان.
اقرأ أيضًا: زوار معارض الكتب (قريبًا)
2. ثلاثية غرناطة
صدرت ثلاثية غرناطة للكاتبة المصرية رضوى عاشور عن دار الشروق عام 1994م، وتُصنَّف ضمن أفضل مئة رواية عربية في القرن العشرين حسب اتحاد الكتَّاب العرب. وتتكون الرواية من ثلاثة أجزاء: غرناطة – مريمة – الرحيل، وتتناول الأحداث بعد سقوط جميع الممالك الإسلامية في الأندلس بسقوط غرناطة في أيدي ملكي قشتالة وأراجون.
ألَّف الكاتب السوداني الطيب صالح هذه الرواية عام 1966م، وصدرت عن دار العودة في لبنان. تفرَّد الطيب في الكتابة بأسلوبٍ خاص، حتى لقَّبه النقاد بـ«عبقري الرواية العربية»، وتُرجمت رواياته وقصصه القصيرة إلى ما يزيد عن عشر لغات.
يستعرض الطيب في روايته اختلافَ الثقافات بين الشرق والغرب، عبر قصة البطل مصطفى سعيد الذي يُسافر إلى بريطانيا ويتزوج هناك ويتبنى قيم المجتمع. ثم عند عودته إلى بلاده بعد سبع سنوات يلتقي راوي الحكاية الذي سبق له العيش في بريطانيا. ويتجلى في الرواية صراعُ الهوية والحضارات وذوبان المهاجرين في ثقافة الغرب، والمفارقة بين قصة البطل والراوي.
4. ساق البامبو
صدرت ساق البامبو للكاتب الكويتي سعود السنعوسي عام 2012م عن الدار العربية للعلوم ناشرون. وناقشت الرواية البحثَ عن الهوية في حياة الراوي المولود لأب كويتي وأمٍّ فلبينية. حصلت الرواية على جائزة البوكر لعام 2013م، ووصفها النقاد بأنَّها روايةٌ محكمة البناء تتميز بالعمق والقوة، وتطرح طرحًا ناقدًا سؤال الهوية في الخليج.
تدور أحداث الرواية بين الفلبين والكويت، ويبحث فيها عيسى (أو هوزيه) عن هويته الحقيقية، ويتمنى لو كان مثل نبتة البامبو التي لا انتماء لها. ويرافقه في ذلك اسمه الذي تتجلى فيه مفارقة البحث عن هويته، إذ ينتمي كل اسم لبلد مختلف وإن حمل الاثنان معنًى متشابهًا.
5. عزازيل
رواية عزازيل من تأليف الكاتب المصري يوسف زيدان، صدرت عن دار الشروق عام 2008م، وحصدت جائزة البوكر في العام التالي لنشرها، وكذلك جائزة أنوبي البريطانية لعام 2012م، باعتبارها أفضل رواية مترجمة إلى اللغة الإنجليزية.
تحكي الرواية عن مخطوطات من القرن الخامس الميلادي للراهب المصري هيبا، ورحلته إلى الإسكندرية وهروبه منها، ثم رحلته إلى القدس، واستقراره أخيرًا في ديرٍ بالقرب من أنطاكية. تدور الرواية حول شكوك هيبا حول العقيدة وصراعه النفسي، وقراره في النهاية للرحيل عن الدير والتحرر من مخاوفه، دون توضيح لوجهته التالية.
6. ذاكرة الجسد
ذاكرةُ الجسد روايةٌ للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، صدرت عام 1993م عن دار الآداب، واختيرت ضمن قائمة أفضل مئة رواية عربية في القرن العشرين. تحكي أحلام في الرواية عن الاحتلال الفرنسي للجزائر، ومشاركة بطل الرواية خالد بن طوبال في الثورة الجزائرية.
يفقد خالد يده في المعارك، ويرسم أثناء علاجه لوحةً اسمها «حنين» للتعبير عن اشتياقه لمدينته قسنطينة التي لا تغيب عن ذاكرته. ثم ينتقل لباريس، ويقيم معرضًا للرسم يلتقي فيه حياة، ابنة قائد الثورة الجزائرية، ويُغرم بها.
تنتهي قصة خالد بزواج حياةٍ من شخصية فاسدة في الحكومة الجزائرية، فينهار وتضيع أحلامه. تصف الرواية معاناة الشباب الجزائري وانتهاء أحلامهم بسبب الاحتلال والفساد في البلاد.
لا تفوت قراءة: نسيج الأدب والحكمة في كتب التراث (6 كتب نرشحها لك)
7. رجال في الشمس
رجالٌ في الشمس أول رواية للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، صدرت في بيروت عام 1963م عن دار أسامة مولاد. وهي من أوائل الروايات التي تناولت هموم الشعب الفلسطيني، وتصف تأثيرات النكبة عليهم.
تحكي الرواية قصة ثلاثة فلسطينيين من أجيال مختلفة، تجمعهم فكرة واحدة هي البحث عن حلٍّ فردي، حيث يقرر كلٌّ منهم الهرب من فلسطين إلى الكويت؛ بحثًا عن حياة أفضل حيث النفط والثروة، لكنهم لا يصلون إلا إلى خزان المياه على حدود الكويت. يلقي غسان في هذه الرواية اللوم على الجميع؛ على القيادات المتخاذلة وعلى الأفراد الذين تخلوا عن الأرض بحثًا عن خلاصهم الخاص.
8. الشراع والعاصفة
صدرت رواية الشراع والعاصفة للكاتب السوري حنا مينة عام 1963م، واستحقت المرتبة الرابعة عشرة ضمن قائمة اتحاد الكتاب العرب لأفضل مئة رواية عربية.
تدور أحداث الرواية في الحرب العالمية الثانية عن مدينة سورية ساحلية، وبحار فقد مركبه ليعود إلى البر فيرى أثر الحرب والاستعمار الفرنسي على بلاده، والتناقضات التي خلقها في المجتمع، ومحاولات النضال لمواجهة هذا الاستعمار. ثم يعود عند انتهاء الحرب إلى البحر في مركب آخر وبفكرٍ جديد.
أخيرًا، ضمت هذه القائمة ثماني روايات متنوعة على مستوى السرد الأدبي، ومن أماكن شتى من العالم العربي، لكنها كلها ناقشت هموم المواطن العربي وأوجاعه؛ فبعضها يعيد إنعاش الذاكرة التاريخية لنعتبر بما جرى لنا، وبعضها ينبش في الجذور التاريخية للمشاكل التي تنخر في جسد المجتمع العربي المعاصر اليوم، وبعضها يسلِّط الضوء على الأسئلة الاجتماعية المعاصرة وتحديدًا سؤال الهوية. ومن ثم، لم يكن ثَمَّ بدٌّ من أن تكون كلها ضمن أفضل الروايات المعاصرة في تاريخ الأدب العربي، وأن تحجز مكانًا لها في كل قائمة قراءةٍ أدبية.
قد يعجبك أيضاً
التراث العربي مبهر في سعته وتنوع أغراضه، وفي هذا المقال المزيد