بالرغم من أن القيام بالرحلات شيء جميل، لكن بالتأكيد لا تصلح الرحلة في حد ذاتها لأن تكون هي الدافع الوحيد للكتابة؛ فملايين الأشخاص يقومون يوميًّا برحلات حول العالم. بالإضافة لذلك فقد صارت هناك وسائل أكثر يسرًا من القراءة في عصرنا هذا للتعرف على البلدان، وأهم المعالم والمزارات فيها؛ إذ يمكنك بسهولة وبضغطة زر أن تجد مرادك بالبحث على الإنترنت أو في مواقع التواصل الاجتماعي. إذن فنحن بحاجة إلى عوامل محفزة عندما نكتب أدب رحلات لتجذب القارئ من جديد لهذا النوع من الأدب بعد أن أوشك على الاندثار.
أول ما يشجع على الكتابة عن رحلة ما هو أن تحتوي هذه الرحلة على تجارب استثنائية، أو مواقف مثيرة، أو معلومات غير متداولة، وبذلك يضيف تناولها أثناء الكتابة قدرًا من المتعة المعرفية لدى القارئ. فالقارئ هنا لا ينبغي بالضرورة أن يقرأ كتب أدب الرحلات فقط لأنه محب للسفر. الأمر كله إذن يدور حول الحكاية التي نريد سردها حول الرحلة. فعلى سبيل المثال:
الاستمتاع بوجبة لذيذة أو مشروب في أحد المطاعم أثناء الرحلة -أو عدم الاستمتاع بها- هو الافتراض المتوقع الأقرب لذهن القارئ، لا جديد في الأمر إذن. لكن أن يُقدَّم المشروب أثناء تناول هذه الوجبة في كوب زجاجي يشبه الحذاء فهذا حتمًا أمر استثنائي وغير مألوف، أما سرد القصة التاريخية وراء هذه الأحذية الزجاجية وقصة نشأتها فهو إضافة بُعدٍ آخر للحكاية يجعلها أقرب وأعمق وأكثر تأثيرًا.
دعونا نأخذ مثالًا آخر:
هبطت الطائرة بسلام في مطار الملكة علياء الدولي.
اممممم، ما الجذاب في هذه الجملة؟ ماذا لو تطرقنا لإجابة بعض الأسئلة التي ربما خطرت على بال القارئ؟ هل نعرف من هي هذه السيدة «علياء» ليُسمى المطار الرئيس في المملكة الأردنية باسمها؟ هل نعرف قصة حياتها ونهايتها المأساوية؟
هذا إذن نوع آخر من المتعة. متعة الفضول التي تجذب القارئ دومًا خلف الحكايات والسير الذاتية لا سيما وإن كانت للمشاهير.
لذا فإن المهمة الأولى لك ككاتب أدب الرحلات هي تحديد القصص والحكايات التي ترغب في سردها من رحلتك، والتأكد من أن يحصل القارئ بعد قراءة هذه القصص على حكايات ليست مفيدة فقط كتجربة سفر، وإنما أيضًا ممتعة ومشوقة.
لكن الحكاية وحدها أيضًا لا تكفي، فالحكاية تحتاج لطريقة قص جذابة تُلهم القراء، وتُحفزهم لرؤية العالم بعين الكاتب. هنا يأتي دور الشغف؛ فالشغف هو أصل الكتابة الرائعة. لذلك يُفضل أن تتحدث الحكايات عن شغفك الخاص من خلال رحلاتك؛ لأن هذا سيمنح كتابك تميزًا وبريقًا.
على سبيل المثال فإن شغفي الخاص هو التاريخ والعمارة. لذلك، وإلى جانب ما يميز أي رحلة من أشخاص، ومزارات، وبيئة طبيعة، أو حياة برية، أو طعام، أو تسوق فإن سلسلة «عن العشق والسفر» لها طابع خاص بها بسبب تطرقها إلى تاريخ الأماكن، والأشياء، والتحليل المعماري للمباني المهمة، فضلًا عن اختلاف رئيس في كون السلسلة تقدم تجربة عائلية متكاملة -وليست رحلة فردية لشخص- ما أضفى عليها نوعًا من الدفء الأسري.
من الجيد أيضًا ألا تهتم بالتدوين عن كل شيء حول رحلتك، وخاصة تلك المهمات التي لم تقم بها من الأساس. فإذا كنت لا تحب التسوق فلا تكلف نفسك عناء الكتابة عن التسوق في الأماكن التي زرتها؛ لأنك في الأغلب ستلجأ إلى الاقتباس من الآخرين، أو نقل صورة غير صحيحة لتجربة لم تختبرها بنفسك.
النصيحة الأخيرة في حديثنا عن الحكاية هي ضرورة التغيير والتنوع والتجربة في طريقة تناول الحكايات. فقد عمدت مثلًا إلى تجربة أساليب مختلفة وتناول موضوعات متنوعة حول الأماكن تختلف في طبيعتها. فقد تكون حكايات عن الطعام الأكثر شهرة في البلد، أو حكاية قصة مبنى، أو الحديث عن شارع له حكاية تاريخية. هناك أيضًا الحديث عن أنواع الأدب والفنون المختلفة المرتبطة بالأماكن، المقارنة بين مكانين، ذكر لمحة سياسية لتوضيح نقطة معينة، حكايات التاريخ المشترك، التطرق إلى الأساطير والحكايات الشعبية المتعلقة بالمكان، نبذة عن المعتقدات الدينية، قصّ بعض المواقف والخدمات الاستثنائية في خدمة العملاء في المطاعم والفنادق، نوستالجيا الطفولة، ملامح بسيطة عن العلاقة الأسرية سواء بين الزوجين أو التعامل مع الأطفال واختلافاتهم، وهكذا..
لا تفوت قراءة: التخطيط – الجزء الثاني من سلسلة أدب الرحلات
كما اختبرت تغيير جرعة المعلومات التاريخية في الكتاب الثاني عن الكتاب الأول، وخاطرت بتغيير الرابط الرومانسي الذي تعلق به القراء -وهو علبة الرسائل ودفتر الذكريات- واستعضت عنهما بفكرة لا تخلو من الرومانسية أيضًا بمشهد تخيلي للزوجين في المستقبل يسكنان فيه جزيرة، وقد قررا أن يدونا ذكرياتهما في لفائف داخل زجاجات ليلقيا بها في البحر، على أمل أن تقع يومًا في يد من يقدرها.
فالتلاعب بأفكار مختلفة وتجربة الحديث عن أشياء مختلفة خلال السلسلة يتيح على المدى تحديد ما يلاقي إعجاب القراء ويتفاعلون معه، مع الحرص على ألا يتعارض ذلك مع فكرة وجود خط مميز للكاتب دون غيره، يصبح به له بصمته الخاصة التي لا تتكرر، والتي ستجعل من كتاباته فريدة ومختلفة.
قد يعجبك أيضاً
التخطيط لرحلتك لا يقتصر على تفاصيل السفر فقط، بل يشمل المزيد
1 تعليق
Marwa Mohamed
مقال رااااائع فعلا ما يضفى على الرحلة ويجعل لها مذاق خاص هي المواقف