«أن تقرأ كتابًا جيدًا ثلاث مرات خير لك من أن تقرأ ثلاثة كتب جديدة»؛
إن القراءة أيقونة العلم والمعرفة، ومعيار نضج الأفراد وتقدم الأمم. فالكتب روافدُ نستقي منها المعلومات في شتى العلوم، وننهل منها ما يساعدنا في مختلف جوانب الحياة. ومن بين مختلف مصادر المعرفة –مسموعة ومنظورة- تمتاز القراءة بكونها أكثر ترتيبًا، وأقدر على الإلمام بالموضوع، وتناوله وتحليله من مختلف أوجهه، ما يمنح المتمرس في القراءة، المختار لما يقرؤه بعناية، نظرةً واسعة للظواهر المختلفة والأسئلة المتعددة، وقدرة أكبر على التعامل معها.
لكن كما كانت هناك معاناة في فترات مضت من الجدب المعلوماتي بسبب ندرة الكتب والقراءة، نعاني نحن اليوم من فيضٍ معلوماتي، ما يطرح بشدة أسئلة الوجهة والهداية: ماذا نقرأ وكيف؟ تخيل أنك موجود الآن في معرض الكتاب وحولك ملايين الكتب؛ أي الكتب ستختار؟ عناوين مغرية جدًّا، ولكن، ما المفيد منها وما الذي يُضَيِّع مدخراتك؟ سنخبرك في هذا المقال نصائح ستساعدك على اختيار الكتاب ما ينفعك.
1- حدد غرضك من القراءة
وما ذكرناه سابقًا مجرد أمثلة من أغراض القراءة ويوجد غيرها، ولكن تحديد الغرض من القراءة يساعدك في الخطوات التالية.
2- اسأل أصدقاءك والمتخصصين بالعلم عن ترشيحات:
بعد أن قمتَ بتحديد غرضك من القراءة، اسأل أهل الثقة من أصدقائك أو من المتخصصين بالعلم عن ترشيحاتٍ لكتب في المجال الذي اخترت القراءة فيه، حيث تُعد هذه الطريقة الأكثر شيوعًا في اختيار الكتب. ويفضل أن نستشير أصدقاء ثقات، لأن ترشيح الكتب مَهَمَّة لا يُجيدها كل الناس، حتى وإن كانت القراءة أذواق، وأنَّ ما يعجبك ليس بالضرورة يعجب غيرك، فهناك جانب موضوعيٌّ يدخل في عملية الاختيار ويشترك فيه الجميع، مثل جودة لغة الكتاب، وقيمته العلمية والأدبية، وطريقة تناوله للموضوع؛ لذلك عليك اختيار الصديق الملائم لتلك المهمة، فمن الأصدقاء من هو قارئ للكتب التاريخية ومنهم من هو متذوق لعلوم اللغة، ولذلك يكونون أقدر على اقتراح أفضل الكتب وأحسنها ملاءمة لك في هذه المجالات.
3- استخدم مواقع تقييم الكتب:
إذا كنت لا تملك أصدقاء أو معارف متخصصين فبإمكانك الاستعانة بمواقع تقييم الكتب لتساعدك. ومن أشهر هذه المواقع goodreads؛ إذ يُحدَّث باستمرار، ويتيح للمؤلفين التواجد على الموقع وإضافة كتبهم، ويحتوي أغلب الكتب الموجودة على مستوى العالم، وهو كفيل أن يعطيك فكرة عامة عن الكتاب ومؤلفه ومحتواه ومقتبسات منه، كما يوفر لك استكشاف درجة تقييم القراء للكتاب، ومراجعات القُرَّاء وتلخيصاتهم له، كما قد تجد فيه بعض النقاشات والمقارنات التي تمنح فكرة عامة عن الكتب المشابهة ومميزاتها وعيوبها، إضافة لمقارنات بينها.
4- لا تقرر شراء أول كتاب يقابلك:
فذاك فخٌ يقع فيه كثيرٌ من حديثي العهد بشراء الكتب. امنح نفسك فرصة للاطلاع ومعرفة المزيد، حتى يمكنك اختيار الأفضل بالنسبة لك وتنمية خبراتك.
5- قِف على عنوان الكتاب::
قراءة العنوان جيدًا ليست شيئًا هينًا، فقف على العنوان قراءةً متعمقة كلمة كلمة وحرفًا حرفًا وتفهم المعنى المراد منه، وفكِّر مليًّا في اختيار المؤلف لتلك الكلمات.
6- طالع اسم المؤلف، ودار النشر:
تعرَّف على الكاتب؛ اسمه، ونشأته، ماذا تعلَّم، وأين تعلَّم، وخلفيته المعرفية، وخبراته، وتوجهاته، كل ما سبق بمثابة تحصين لك من مفاجآت لأفكار قد لا تكون مناسبة أو مضللة لك على صعيد آخر، أو فرقان ما بين الباحث المتخصص فعلًا وبين المتعالم الزائف الذي يكتب في مجال ليس له إجازة فيه، وقد يكون لدى هذا الكاتب مواقف لا تؤيدها تتداخل مع كتاباته في المجال الذي تريد القراءة فيه، كما قد يكون كاتبًا مشهودًا له بالموهبة والإبداع بحيث لا يكون أي كتاب له مضيعة للوقت. كما توجد بعض دور النشر التي تتخصص في مجال معين في صناعة الكتب، وتتميز بجودة منتجاتها من ناحية الطباعة والموضوع وتوافر عناصر الجذب الأخرى.
7- اقرأ مقدمة الكتاب وملخصه إن وُجد:
بالرغم من أن بعض القراء يتجاهلون المقدمات إلا أنها مهمة جدًّا، ففيها يشرح الكاتب سبب كتابته الكتاب، والمشكلة التي يتناولها عبره، وكيف ينوي حلها من خلاله، فلا تتخطَّها بل اقرأها بعناية. في بعض الأحيان يكون الملخص موجودًا أيضًا في الغلاف الخلفي للكتاب فتناوله بدقة، وإن لم يتوافر فاقرأ المقدمة، إذ عادةً ما يكون الملخص مأخوذًا أصلًا منها.
8- مراجعة فِهْرِس الكتاب:
تحتوي أغلب الكتب على فهرس بقائمة محتويات الكتاب، وهنا يأتي الدور الأهم، اقرأ الفهرس بجدية وتمعن حتى تكاد تحفظه، تفحص عناوين الفصول والأبواب، وعلاقتها بعضها ببعض، ولمَ جاءت على هذا الترتيب، وحاول قدر الإمكان مذاكرة الفهرس واستكناه داخل الكتاب عبره.
9- قراءة متفرقة سريعة:
اختر أحد العناوين التي استرعت انتباهك ووجدتها شيقة وتصفحها سريعًا، ولا تقرأ بالترتيب؛ فقط اختر الفصول التي أعطتك الدافعية وتحمست لقراءتها، لقياس جودة اللغة المستخدمة والإلمام بالأفكار ووضوح الأسلوب.
10- استمع لداخلك وتجاوب مع إحساسك:
بعد كل ما سبق تكاد تكون مؤهلًا للتمييز بين اختيارات جُلُّها مناسب، ولكن في بعض الأحيان هناك علاقة قد تنشأ بينك وبين كتاب معين تحريت في اختياره الخطوات السابقة، وهو ضمن اختياراتك بالفعل ولكنك تجد بداخلك ما يوحي لك بتميزه ويقرِّبه إلى نفسك، تفاعل مع هذا الإحساس فإنَّ حاله حال اختيار الأصدقاء، هناك رابط خفي يجعل شخصًا ما هو الأقرب إلى قلبك، فكذلك الكتاب خير صديق.
اقرأ أيضًا: زاد القارئ الجاد: أدوات وتقنيات
ختامًا
كلُّ إنسان نقطة متفردة في الزمان والمكان كما قال فلاسفة اليونان قديمًا، يتمايز الناس في الخصائص والطبائع والمميزات والعيوب والاحتياجات، وينتج عن ذلك تباينهم في ما ينتفعون به من القراءة، وما يفيدهم من الكتب. الخطوة الأولى في رحلة القراءة التي يتطور عبرها الإنسان هو اختيار الكتاب المناسب له، ولكنها ليست نهاية الطريق، تظلُّ أسئلة كيفية القراءة وترتيبها وتطويرها حاضرة، كما أنَّ كُلَّ كتاب بقدرِ فائدتِه في الإجابة على أسئلة قارئه، فتحُهُ للمزيد من الأسئلة، وبقدر تضييقِه من مساحات الجهل، توسيعُه آفاق المرء، وأفضل مؤشِّر تتأكد معه أن اختيارك للكتاب كان موفقًا أن تستشعر نفسك بعد نهاية الكتاب؛ هل تشعر بأنك اكتفيتَ من قراءته، أم زاد نهمك للمزيد؟ فكل كتاب لا يُشهيك للمزيد من القراءة ليس اختيارًا جيدًا، وكل كتاب يُسلِمك للذي بعده فهو المطلوب والمنشود.