مقالات

كيف تؤسس لمكتبة شخصية في منزلك؟

تعلم في هذا المقال كل ما تحتاج لمعرفته من أجل تأسيس مكتبة شخصية في منزلك
«ليس هناك ما هو أكثر متعة من استكشاف المكتبة»

هذه كلمات الكاتب الإنجليزي والتر سافاج لاندور، وهي تصف شعوري عندما أكون بين الكتب. تخيل معي صديقي القارئ كيف ستكون المتعة عندما تكون هذه مكتبتك الخاصة، المكتبة التي تبنيها بنفسك خطوة بخطوة، تملؤها بالكتب تدريجيًّا حتى تخلق بها عالمًا موازيًا تحيا من خلاله. أتخيلها متعة مضاعفة لا نهاية لها، فكيف إذن يمكنك تأسيس مكتبة شخصية في منزلك؟

ما الهدف من تأسيس مكتبة شخصية؟

توجد العديد من الأسباب التي يمكن أن تشجعك على تأسيس مكتبتك الشخصية، ويمكنني تلخيصها في الأسباب الآتية:

الاحتفاظ بكتبك المفضلة

إذا كنت تهوى شراء الكتب الورقية بصورة منتظمة، فوجود مكتبة شخصية في المنزل أمر ضروري لا غنى عنه للاحتفاظ بالكتب، بحيث لا تضيع كتبك أو تضطر إلى تخزينها بعشوائية في المنزل. بالطبع ليس ضروريًّا الاحتفاظ بجميع الكتب في المكتبة الشخصية، بل يمكنك تخصيصها فقط لكتبك المفضلة أو التي ترغب في وجودها بمكتبتك باستمرار للمستقبل.

مكتبتك الشخصية تعبير عن رحلتك ووعاء لذكرياتك

«داخل هذا الكون الورقي، أجد المعنى في الارتباك، والهدوء في العاصفة، والهمهمة الهادئة لمئات الكتب التي تتواصل مع جيرانها. فتحها يكشف عن مقاطع عزيزة تم تحديدها بلطف بالقلم الرصاص؛ إن تمرير يدي على الأغلفة الصلبة المغلفة يذكرني بمدى قيمتها. ليس فقط الكتب نفسها، بل الأفكار التي بداخلها والذكريات التي تثيرها». ليزلي كيندال

تعبِّر المكتبة الشخصية عن رحلتك مع القراءة، وتصف المراحل التي مر بها فكرك بمرور الوقت. يمكنك بإلقاء نظرة عليها إدراك الكتب التي أثرت على فكرك حقًّا، وساهمت في بناء عقليتك وآرائك وأفكارك في الحياة الآن، وستمر أمام عينك جميع ذكرياتك مع هذه الكتب.

عندما تتصفح رفوف مكتبتك، وتكتشف الكتب الموجودة بها، ستجد عقلك يتذكر كيف ساعده كل كتاب وترك أثرًا حقيقيًّا في الرحلة. فإذا كنت ترغب في فهم ذاتك بصورة أفضل، راجع الكتب الموجودة في مكتبتك الشخصية، وستجدها تخبرك بما تود معرفته عن نفسك.

مساعدك الوفي في العمل

هل لديك بحث معين ترغب في العمل عليه؟ هل أنت بحاجة إلى أفكار جديدة؟ هل تسعى لإعطاء مصداقية أكبر لعملك بالاستشهادات والمراجع؟ يمكنك أن تجد الإجابة دائمًا في الكتب، وعندما تمتلئ مكتبتك الشخصية بقائمة كبيرة من الكتب، فكأنَّك تملك سلاحًا قويًّا بذخيرة لا نهاية لها. لذا مكتبتك الشخصية هي مساعدك الوفي في العمل، فهي بمثابة قاعدة معرفة حيَّة يمكنك الولوج إليها في كل وقت دون أي قيود.

أتذكَّر في مرة كنت أكتب مقالًا عن تجارب الشركات الناشئة، ولم أجد ما يساعدني من المصادر على الإنترنت. وقفت أمام مكتبتي وتفحصت قائمة الكتب، حيث يوجد بها ركن خاص بكتب الأعمال، ووجدت ضالتي في أحد الكتب التي تتحدث عن تجارب لشركات ناشئة، وحوارات مع مؤسسيها، فكان هذا الكتاب هو مرجعي الأساسي لكتابة المقال؛ وهذه قصةٌ من كثير.

الانعزال عن العالم

«كل ما أحتاج إليه هو مصدرٌ للكتب؛ فهي تستطيع دومًا أن تجتذب كل فكري نحوها فقط. لا يمكنني أن أخبرك عن الراحة التي أجدها حين أدرك أن الكتب بجانبي، تمنحني السعادة في أوقاتي الخاصة، وعندما أعلم كم المساعدة التي تقدمها في حياتي، فهي أفضل دعم وجدته لرحلتي». ميشيل دي مونتين

الكتب سلاحٌ مهم للانعزال عن العالم والعيش بين صفحاتها تجارب مميزة ومختلفة، فهي تعينك على تجاوز الأزمات والصدمات، وتمكنك من الابتعاد قليلًا عن عالم مواقع التواصل الاجتماعي وما تسببه من ضغوطات. عندما تكون هناك مكتبة شخصية في منزلك، يمكنك أن تنتقي منها الكتب المناسبة التي يمكن أن ترافقك في رحلة الانعزال.

ترك إرث قيّم لأولادك

«إن الطريقة الأبسط لتربية أبناء مثقفين هي تعليمهم القراءة، وأنها نشاط ممتع. وهذا يعني ببساطة إيجاد الكتب التي يفضلونها، وإعطاؤهم الفرصة لقراءتها». نيل غيمان

المكتبة الشخصية هي إرث يمكن تناقله عبر الأجيال، منك إلى أولادك وأحفادك، فهي كنز تتركه لهم يصحبهم في حياتهم باستمرار. إذا أردت تعليم أبنائك القراءة وتثقيفهم منذ الصغر، فستحتاج بالتأكيد لوجود المكتبة الشخصية في المنزل، وتوفير الكتب التي يمكن أن تشجعهم على القراءة، وتبني فكرهم وتتوافق مع المراحل العمرية المختلفة التي يمرون بها.

المكتبة ديكور مميز في المنزل

إذا كنت تفكِّر في عمل ديكور لمنزلك، فالمكتبة الشخصية هي واحدة من القطع الفنية التي يمكن أن تزيِّن بها المنزل، لا سيَّما عندما تحرص على اختيار تصميم مميز لها، وألوان تتوافق مع ديكور المنزل بصفة عامة، ما يجعلها عنصرًا يبعث البهجة ويضيف لمكان وجود المكتبة قيمة كبيرة.

كيف تؤسس المكتبة الشخصية المناسبة؟

والآن إذا كنت مستعدًا لتأسيس مكتبة شخصية، فدعني أخبرك أنَّها ستكون رحلة ممتعة، تتطلب انتباهك للتفاصيل والتركيز على كل خطوة، لتحصل في النهاية على شكل المكتبة الذي تريده ويناسب تطلعاتك واحتياجاتك. تتضمن عملية تأسيس المكتبة خمس خطوات أساسية:

1. تحديد الهدف من المكتبة

مفهومٌ بالأساس أنَّ المكتبة الشخصية ستُستخدم لتخزين الكتب، لكن هل يوجد هدف آخر؟ مثلًا ترغب في أن تكون جزءًا من ديكور المنزل. سيؤثر ذلك لاحقًا في اختيار المكان المناسب للمكتبة وتصميمها النهائي، إذ سيختلف الشكل وفقًا للهدف.

2. اختيار مكان المكتبة في المنزل

الخيار الأساسي لتحديد مكان المكتبة هو وجود مساحة فارغة يمكن استخدامها لهذا الغرض. لكن في الحقيقة توجد عوامل أخرى لاختيار المكان، لا سيَّما إذا كنت بصدد تخصيص غرفة كاملة للمكتبة لتكون مكانًا مناسبًا لتخزين الكتب وكذلك القراءة فيها. يمكنك تحديد المكان المناسب للمكتبة وفقًا للعوامل الآتية:

  • بُعد المكان عن الطعام: تجذب أماكن الطعام الحشرات في الكثير من الأحيان، ما قد يعرِّض كتبك للتلف والتدمير.
  • الراحة: إذا كنت تنوي القراءة في مكان المكتبة، فلا بد وأن يتمتع موقعها بالراحة لتتمكن من الاستمتاع بالوقت الذي تقضيه هناك، مثلًا جو مناسب وتهوية جيدة.
  • الإضاءة: تساهم الإضاءة الجيدة في خلق أجواء مميزة لمكان المكتبة، سواءٌ ستقرأ هناك أو فقط لتكون ديكورًا في المنزل، فالإضاءة تزيِّن المشهد النهائي للمكتبة.
  • ارتفاع المكتبة عن الأرض: إذا كان لديك أطفالٌ صغار، فقد تكون الكتب لعبتهم المفضلة، وينتهي الأمر بتلف العديد من الكتب. لذا، كلما أمكن اختر مكانًا يرتفع عن الأرض ليكون بعيدًا عن متناول أطفالك.

3. اختيار التصميم المناسب

اسأل نفسك؛ هل ترغب في تصميمٍ تقليدي للمكتبة؟ مجرد مكتبة عادية وأرفف مرصوصة تحتوي على الكتب، أم أنَّك ترغب في أن يكون التصميم مختلفًا ومميزًا؟ لاحظ أنَّ التصميم يساعد في التعامل مع مساحات التخزين الصغيرة، ويسمح لك باستغلال أماكن متنوعة داخل المنزل. من أمثلة التصميمات التي يستخدمها الآخرون في رفوف الكتب لمكتباتهم:

1. الطراز التقليدي للمكتبة

2. أرفف على هيئة مكعبات

3. وحدات منفصلة يمكن إعادة ترتيبها

4. زواية في ركن الغرفة

5. نمط الشجرة

6. خزانة كتب بأرفف، وأدراج للتخزين

7. رف كتب على شكل لوح فوق السرير

8. رفوف في أنماط هندسية معقدة

بالطبع هذه مجرد أمثلة للتصميمات، ويمكنك البحث عن المزيد من التصميمات على موقع Pinterest لتحصل على فكرة التصميم المثالي لمكتبتك.

4. تجميع الكتب الملائمة للمكتبة

ليس شرطًا الاحتفاظ بجميع الكتب في مكتبتك، بل الأهم أن تتضمن الكتب التي تحبها وترغب في أن تظل موجودة لديك دائمًا. لذا اجمع الكتب التي لديك واختر المناسب منها، فإذا صادفتَ بعض الكتب التي لم تعد مهتمًّا بها، فهذا يعني إمكانية إخلاء بعض المساحة وإفساح المجال لكتب جديدة لتنضم لمكتبتك.

بعد تحديد هذه الكتب التي انتهى انتفاعك الآني بها، فكِّر فيما ستفعله بها، يمكنك الاستفادة من بيعها أو إهدائها لبعض أصدقائك أو التبرع بها. وبمرور الوقت املأ مكتبتك فقط بالكتب التي تحتاج إليها، لتضمن في النهاية أنَّ كل كتاب في مكتبتك يعبِّر عنك حقًّا، وتشعر بالحب والفخر لوجوده ضمن قائمة كتبك.

5. تنظيم الكتب وترتيبها

هذه الخطوة الأخيرة في رحلة تأسيس مكتبتك الشخصية؛ التفكير في أفضل طريقة لتنظيم الكتب وترتيبها. مبدئيًّا لا توجد طريقة واحدة، إذ تعتمد الطرق على التفضيلات الشخصية لكل فرد وطبيعة الكتب الموجودة في مكتبتك. ليس مهمًّا أن تتبع نظام فهرسةٍ أكاديميًّا معقدًا، فمكتبتك ليست مكتبة الكونجرس. الأهم هو مبدأ النظام نفسه وعدم وضع الكتب بعشوائية، لأن العشوائية تعسِّر عليك الحصول على الكتب مستقبلًا. وإليك بعض المقترحات لكيفية تنظيم الكتب في مكتبتك:

  • الحروف الأبجدية: ترتيب الكتب في المكتبة حسب الحروف الأبجدية، سواءٌ بترتيب مؤلفيها أم حسب عناوينها.
  • البلد: تصنيف الكتب داخل مكتبتك حسب بلد المؤلف.
  • اللون: تقسيم الكتب حسب لون غلاف الكتاب.
  • تاريخ الشراء: ترتيب الكتب حسب تاريخ شرائها من الأقدم إلى الأحدث، أو العكس.
  • تاريخ النشر: تنظيم الكتب حسب تاريخ نشرها بالضبط من الأقدم إلى الأحدث أو العكس، بغض النظر عن تاريخ الشراء.
  • الموضوع: التقسيم حسب موضوع كل كتاب، مثلًا كتب الفلسفة معًا، والروايات معًا، وهكذا. وإذا وُجِد بداخل النوع الواحد تقسيمات وتصنيفات فيمكنك استخدامها، فمثلًا روايات الرعب بمفردها، والروايات الرومانسية كذلك، وهكذا.
  • اللغة: تقسيم الكتب حسب لغتها الحالية أو حسب لغة كتابتها.
  • الحجم: تصنيف الكتب حسب الحجم، من الأكبر إلى الأصغر، أو العكس.
  • قد تشعر أنَّ بعض الطرق غريبة، فمثلًا قد تجد الترتيب حسب اللون خيارًا غير مناسب، وأنت هكذا تتفق مع الكاتبة هانيا ياناجيهارا التي ترتب كتبها أبجديًّا وتقول إن الشخص الذي ينظم كتبه حسب اللون هو شخص لا يهتم بما في الكتب حقًّا. بينما من ناحية أخرى تجد الكاتب الأمريكي مايكل تشابون يرتِّب مكتبته حسب اللون، ودون شك هو يهتم بما في الكتب.

وحتى الطرق المألوفة لا اتفاق عليها من الجميع، فمثلًا تقول الناقدة الأمريكية سوزان سونتاج إنها تفضل ترتيب كتبها حسب الموضوع أو اللغة أو تاريخ النشر، وتؤكد أنَّها تعرف العديد من الأشخاص الذين يفضلون الترتيب الأبجدي للكتب، لكن رغم ذلك فهي لم تتمكن من استخدام هذه الطريقة أبدًا.

ما أود قوله هو أنَّه لا توجد طريقة واحدة تلائم الجميع، وحتى مع إصرار بعضهم على أنَّ طريقته هي المثالية، فهذا لا يعني أنَّها كذلك بالفعل. لذا، اختر الطريقة التي تشعر أنَّها تناسب مكتبتك، وتتفق مع كتبك واحتياجاتك من المكتبة الشخصية. ويمكنك أيضًا استخدام أكثر من طريقة تصنيف معًا، بل أظن أنَّ هذا سيكون ضروريًّا لتنظيم المكتبة بكفاءة تسهِّل الوصول إلى كتبك. ببساطة، ضع تصنيفًا رئيسيًّا، يخرج منه مجموعة من التصنيفات الفرعية. كأن يكون التصنيف الرئيسي مثلًا هو الترتيب الأبجدي حسب أسماء الكتَّاب، والتصنيف الفرعي هو الترتيب حسب تاريخ النشر من الأقدم للأحدث. وهكذا يمكنك وأنت تبحث في قائمة كتب حرف ما، تسريع عملية البحث من خلال تاريخ النشر، فإذا كان الكتاب إصدارًا حديثًا، فستبحث في نهاية القائمة.

أخيرًا، ليس شرطًا الاستمرار في ترتيب مكتبتك بالطريقة ذاتها دائمًا، بل يمكنك مع الوقت وتبدل اهتماماتك واحتياجاتك تغيير الترتيب، المهم أن تضمن لك طريقة الترتيب سهولة وسرعة في الوصول إلى الكتب. وبهذا تكون قد نجحت في تأسيس مكتبتك الشخصية، وهنيئًا لك رحلة دسمة في مكتبتك بين عوالم الكتب.

مصادر للاستزادة:

Shares:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *