يعد تدشين الاتحاد الدولي للناشرين امتدادًا طبيعيًّا لتطور حركة النشر الدولي التي شهدت نموًا متسارعًا لا سيما في أوروبا منذ أواخر القرن التاسع عشر؛ حيث تأسس اتحاد الناشرين السويديين عام 1843، ثم تلاه اتحاد الناشرين الإيطاليين عام 1869.
هذا الحراك الذي استهدف حماية حقوق الناشرين والمؤلفين تبعه توقيع اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية عام 1886، وتُوِّجت هذه الجهود بتأسيس الاتحاد الدولي للناشرين عام 1896 ليكون أكبر اتحاد في العالم لاتحادات الناشرين الإقليمية والوطنية. وسنتحدث في هذا المقال عن كل ما يتعلق بهذا الاتحاد.
إدارة اتحاد الناشرين الدولي
أُسِّسَ الاتحاد ليكون منظمة أهلية غير ربحية، تأخذ على عاتقها تعزيز النشر، وحماية حقوق القائمين عليه، ونشر الوعي بأهمية النشر على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.
يُمثل الاتحاد الدولي للناشرين IPA) International Publishers Association) أكبر تجمع عالمي للناشرين؛ إذ يضم 101 جمعية محلية ووطنية يمثلون 81 دولة من جميع القارات، وذلك حتى عام 2023. فضلًا عن المنتسبين للاتحاد من غير الأعضاء مثل: جمعيات الناشرين الإقليميين الدوليين من أمريكا اللاتينية (GIE)، والدول العربية (APU) وأفريقيا (APNET) وأوروبا (FEP). بالإضافة إلى جمعيات الناشرين المتخصصين مثل رابطة الناشرين الدولية للعلوم والتقنية والطب (STM) والاتحاد الدولي للناشرين العلميين (FSP).
ويدير الاتحاد رئيسٌ منتخب من الجمعية العامة، ومدة رئاسته عامان، كما يُنتخب أيضًا نائب الرئيس ورؤساء المجموعات الإقليمية. ورأس الاتحاد خلال دورته السابقة الإماراتية الشيخة بدور القاسمي بعد انتخابها في اجتماعات الجمعية العمومية في عام 2018 خلال معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وهي ثاني امرأة تتولى رئاسة الاتحاد بعد آنا ماريا كابانيلاس الأرجنتينية التي تولت الرئاسة خلال عامي 2004–2008.
بذلت الشيخة بدور جهودًا كبيرة في خدمة صناعة النشر ورعايتها لا سيما في ظل أزمة كورونا التي ألقت بظلالها على اقتصاديات النشر. حيث قامت بأربعين زيارة ميدانية لرصد أوضاع النشر في العالم، وقامت بإطلاق العديد من المؤسسات والمبادرات لدعم صناعة النشر.
أما اللجنة التنفيذية فيتم انتخابها وتشكيلها من مجموعة من الأعضاء، مهمتها مساعدة رئيس الاتحاد لتطوير الإجراءات والسياسات والخطط والميزانيات بالشكل الذي يمكن من خلاله أن تحظى بموافقة اللجنة الدولية.
عضوية الاتحاد
تتقدم الاتحادات المحلية أو الوطنية الراغبة في الحصول على عضوية الاتحاد بطلبها من خلال الاستبيان الموجود لدى أمانة الاتحاد، على أن يقوم طالب العضوية بتقديم نفسه في حدث نشر دولي كمعرض أو مؤتمر لمناقشته فيما جاء في الاستبيان، ويتعهد بأن تتوافق نظمه الداخلية مع قوانين الاتحاد الدولي، وأن يعمل على تنفيذ قراراته وتوصياته. ثم يكون للجمعية العامة وحدها الحق في قبول طلب الانضمام أو رفضه.
تنقسم العضوية في الاتحاد إلى أعضاء عاديين وأعضاء منتسبين، وتمنح العضوية العادية لاتحادات الناشرين الوطنية وذلك نظير اشتراك سنوي، ويشاركون في أعمال الرابطة ويمثلهم عضو في الاتحاد، ويكون لهم حق التصويت على توصيات الاتحاد وقراراته.
أما الأعضاء المنتسبون فتمنح للمنظمات الدولية، والناشرين الدوليين ومنظمات الناشرين ذات مصالح النشر المتخصصة، وكذلك لاتحادات الناشرين الوطنية الذين لم يستكملوا بعض معايير الانضمام للاتحاد. وهؤلاء لهم حق العضوية بصفة مراقب في الاتحاد من خلال تعيين عضو أو اثنين، ويشاركون في أعمال اللجان التابعة للاتحاد، ويقدم لهم الاستشارات القانونية والتشريعية ويدفعون اشتراكًا سنويًّا، إلا أنه لا يحق لهم التصويت على توصيات الاتحاد وقراراته.
ومن الأعضاء من الاتحادات العربية اتحاد الناشرين العراقيين، والأردنيين، واتحاد النقابات في لبنان، وجمعية النشر السعودية، والجمعية التونسية للنشر.
نشاطات الاتحاد
يقوم الاتحاد بعدد من النشاطات من أجل تدعيم جهوده في خدمة النشر، ومنها الاجتماع السنوي الذي يعقده الاتحاد، وعادة ما يكون في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وفيه يقدم الأعضاء الجدد، ويناقش الاتحاد خططه المستقبلية.
ويحرص الاتحاد على تنظيم مؤتمرات الناشرين الدولية، وتنظيم فعاليات دولية تركز على قضايا الناشرين؛ فعلى سبيل المثال فإن معرض جوتبورج للكتاب عام 2006 كان موضوعه الأساسي «حرية التعبير».
وانعقد مؤتمر حرية التعبير السنوي في إسطنبول، والمؤتمر العربي الدولي لحقوق المؤلف عام 2007، ومعرض الكتاب للبحر الأسود عام 2008، والندوة الدولية للرقابة الحديثة عام 2008. كما يهتم الاتحاد باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف والنشر في 23 أبريل منذ عام 1995 من أجل تعزيز القراءة والنشر وحماية الملكية الفكرية من خلال حماية حق المؤلف.
أهداف الاتحاد
يمكننا أن نحدد قطاعين رئيسيين لأهداف الاتحاد؛ الأول وهو الاهتمام بالناشرين ودعمهم، أما الثاني فهو الاهتمام بالمجتمع المدني ودعم القراءة والتشجيع عليها، وكذلك نشر الوعي فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية، وهي أيضًا ذات جدوى وأهمية بالنسبة لصناعة النشر.
دعم صناعة النشر في العالم
يعمل الاتحاد على دعم صناعة النشر في العالم؛ فهو قطاع ثقافي وصناعة إبداعية يجب الارتقاء بها. وفي سبيل هذا يدافع عن حق الناشرين في أن ينشروا الإنتاج الفكري بحرية كاملة آخذين في الاعتبار كافة الحقوق القانونية داخل كل دولة.
ويناهض الاتحاد أي محاولة لتهديد تلك الحرية أو تقييدها، وينسق مع كافة الجهات التي يمكنها مساعدته في تحقيق هذا سواء المنظمات الحقوقية أم المنظمات والهيئات الدولية. كما يقوم الاتحاد بمراقبة حالات انتهاك حرية التعبير أو حرية النشر، وكذلك التدخل في حالة مقاضاة الناشرين والمؤلفين واضطهادهم، ويرصده ويندد به في المحافل الدولية، ولا سيما مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وفي سبيل تعزيز صناعة النشر فإن الاتحاد يعمل على إزالة القيود التي قد تفرض على استيراد الكتب وتصديرها والمواد اللازمة لها والقائمة عليها الصناعة من ورق وأحبار وغيره، وكافة المواد التي ينتجها الناشرون. فيسعى من أجل إلغاء الضرائب المفروضة على إنتاج الكتب أو التخفيف منها.
أكاديميات ومبادرات لدعم الاتحاد
وفي إطار دعم النشر في أفريقيا، ومساعدة الناشرين فيها على النهوض بصناعتهم؛ أسس الاتحاد الدولي «الصندوق الإفريقي للابتكار» لدعم الناشرين المتعثرين ودعم قطاع النشر التعليمي، وتشجيع الشباب بشكل خاص على القراءة خارج المنهاج الدراسي، وتنظيم دورات وورش عمل للمجتمعات المحلية، وتستمر برامج الصندوق لمدة 4 سنوات وبميزانية 800 ألف دولار.
ومن أجل مزيد من الدعم أسس الاتحاد «أكاديمية الاتحاد الدولي للناشرين» برعاية هيئة الشارقة للكتاب. وهي أكاديمية متخصصة في مناقشة قضايا صناعة الكتاب والنشر والتسويق، مع إتاحة كل المواد التدريبية بشكل مجاني للأعضاء. مما يعمل على رفع كفاءة أعضاء الاتحاد ويعزز من إمكانياتهم في التصدي لمشكلات النشر وقضاياه.
ومن المبادرات الأخرى الهامة التي أطلقها الاتحاد خلال الفترة الماضية «الميثاق الدولي لتعزيز استدامة قطاع النشر ومرونته» (InSPIRe) ويؤكد الميثاق على استمرار التعاون والعمل من أجل تعزيز قدرة صناعة النشر الدولي بعد أزمة كورونا.
دعم غير القادرين
أما على الجانب الآخر، فإن الاتحاد يسعى إلى مساعدة غير القادرين على قراءة الكتب لا سيما ذوي الإعاقات البصرية، فقد كان الاتحاد داعمًا بشدة للطباعة بطريقة برايل وشجع الناشرين على الاهتمام بها.
وفي إطار التطورات التكنولوجية الحديثة، فإن الاتحاد يسعى لتوظيفها لخدمة ذوي الإعاقات الذين تمنعهم إعاقتهم من القراءة، وفي سبيل ذلك فإن الاتحاد دعم وشارك في إنشاء اتحاد الكتب الميسرة (ABC) مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، والاتحاد العالمي للمكفوفين، والاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات ومؤسساتها (الإفلا).
واتحاد الكتب الميسرة ABC هو شراكة بين أصحاب تلك المنظمات والهيئات السابق ذكرها من أجل توفير الدعم اللازم والإمكانيات المتاحة لمساعدة غير القادرين على قراءة المطبوعات. وفي سبيل ذلك تنشر الكتب بطريقة برايل، كما تحول إلى تسجيلات صوتية يمكن لذوي الإعاقات الاستماع إليها.
وفي الإطار نفسه يدعم الاتحاد معاهدة مراكش لتيسير النفاذ إلى المصنفات المنشورة لفائدة الأشخاص ذوي الإعاقة أو معاقي البصر أو ذوي إعاقات أخرى في قراءة المطبوعات عام 2013، لتيسير سبل الوصول السهل والسريع إلى المصنفات المنشورة، بهدف إفادة الأشخاص الذين تمنعهم إعاقاتهم عن الوصول إلى المطبوعات وقراءتها.
وسوف تحقق هذه الاتفاقية في حال تنفيذها طفرة كبيرة في دعم هذه الفئة نظرًا لما تقدمه من استثناءات كبيرة وغير مسبوقة لهم، فهي لا تدعم ذوي الإعاقات البصرية فقط، بل أي إصابة جسدية قد تعيق القدرة على القراءة مثل فقدان اليدين وغيرها. وتسمح هذه الاتفاقية بإعادة النسخ والطباعة والاشتقاق للمصنفات طالما كانت لخدمة ذوي الإعاقات.
مبادرات محو الأمية وتشجيع ثقافة القراءة
يدعم الاتحاد مبادرات محو الأمية والقراءة ما يساهم في دعم صناعة النشر، ولهذا يقوم الاتحاد الدولي للناشرين بتشجيع حملات محو الأمية والتي يتعاون فيها الاتحاد مع اليونسكو والاتحاد الأوروبي والدولي لبائعي الكتب، والاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات ومؤسساتها (الإفلا) حيث يقوم الاتحاد الدولي للناشرين بطباعة الكتب وتوزيعها من أجل دعم القراءة.
وعلى الجانب المجتمعي أيضًا يقوم الاتحاد بتشجيع ثقافة القراءة، ويمنح لقب «عاصمة الكتاب» لمدينة ما كل عام، وذلك في يوم الكتاب العالمي لليونسكو الذي يوافق يوم 23 أبريل من كل عام، حيث ينظم الاتحاد عددًا كبيرًا من الأحداث حول الكتب والأدب والقراءة، مع توفير الكتب للمنتفعين بها. وهو بذلك يعمل على جذب الرعاية والتمويل الإضافي للمؤسسات ذات الصلة بالكتاب، وزيادة الوعي بقضايا القراء والكتابة والمكتبات ومتاجر الكتب والتسويق لسياحة الكتاب ويشجع عليها.
وما زال أمام الاتحاد دور هام لا سيما في ظل التطورات الاقتصادية والسياسية التي يمر بها عالمنا خلال الفترة الحالية، فمن الناحية الاقتصادية ارتفعت أسعار مستلزمات الصناعة بشكل كبير، خاصةً في دول الشرق الأوسط، وبعض الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية.
أضف إلى ذلك القدرة الشرائية التي تنخفض نتيجة تراجع الوضع الاقتصادي في بعض البلدان. ومن جهة أخرى فإن التطورات السياسية تلقي بظلالها على صناعة النشر من حيث احتمالية إلغاء بعض المعارض الدولية التي تمثل النسبة الكبرى من مبيعات دور النشر، كما تؤدي لزيادة أسعار المستلزمات الأولية في صناعة النشر.
ختامًا، كل ذلك يعني أنَّ هناك المزيد مما يمكن للاتحاد الدولي للناشرين تقديمه لدعم الكتاب وصناعة النشر، فهو الممثل الأكبر لدور النشر، والمدافع عن حقوقهم، والساعي نحو مزيد من الدعم لهم.
قد يعجبك أيضاً
التخطيط لرحلتك لا يقتصر على تفاصيل السفر فقط، بل يشمل المزيد