من الرائع أن تشارك القارئ تجربتك كاملة منذ بداية التخطيط للرحلة، والهدف الذي قمت من أجله بهذه الرحلة. من الخطأ ألا تحدد هدفًا يجعل كتابك يستحق القراءة، فلا تفترض أنه لمجرد لقيامك برحلة ممتعة، واكتساب بعض الخبرات في السفر، فإن كتابتك حول هذه الرحلات ستثير اهتمام القراء، خاصة وإن افتقر إلى وجود هدف ملموس وحبكة جيدة وصار مجرد سرد أشبه بمذكرات شخصية عن الرحلات.
قد تكون أهداف الرحلة مادية، ومنها على سبيل المثال النجاح في الصعود إلى القمم الثلجية لجبال الألب خلال رحلتنا إلى سويسرا والنمسا، أو الذهاب في رحلة بحرية على متن باخرة بهدف أن يحالفنا الحظ، ونتمكن من مشاهدة الحيتان عن قرب خلال موسم هجرتها من الساحل الشرقي لأستراليا إلى القطب الجنوبي. تناول البيتزا الإيطالية كان من أهم أهدافنا خلال رحلتنا إلى روما، أما مغامرة البحث عن كتاب نادر لدكتور عبد الجليل التميمي باللغة العربية داخل مكتبة الكونجرس أثناء رحلتنا إلى العاصمة الأمريكية واشنطن فقد كانت استثنائية. لذلك فإن وضع هدف مادي للرحلة تشاركه مع القارئ من شأنه ألا يغرق القارئ في المجهول، وأن يجعله في حالة تأهب وفضول لمعرفة إذا كنت ستحقق هدفك في النهاية أم لا.
التخطيط هنا لا يتوقف على التخطيط للرحلة فقط، وإنما يمتد لسرد تفاصيل الرحلة نفسها. تحتاج هنا لترتيب أوراقك فقد تحتوي رحلتك على أحداث تختلف وتيرتها من أحداث مملة إلى عادية إلى متوسطة الإثارة إلى مثيرة، وشخصيات التقيت بهم سواء كانت شخصيات ثانوية أو أساسية. نحن بحاجة في البداية إلى الانتقاء من بين هذه الأحداث والأشخاص ما يستحق الذكر، وأن نتخلص من البقية، ثم علينا أن ندرس كيف سنربط الأحداث معًا في حبكة وقالب درامي تشويقي. فعلى الكاتب أن يضع نفسه دائمًا مكان القارئ، وأن يكون حريصًا على أن يصل إلى القارئ الإحساس بأنه في رفقة الكاتب في رحلته، وأن يجعل الكاتب هذه الرفقة ممتعة بما يكفي. لذلك احرص على تقديم بداية مبهرة تجذب القارئ، وعلى التنويع في أسلوب الكتابة ما بين الدراما والحوار والفكاهة بحيث لا يمل القارئ أبدًا.
في حال كنت لم تقرأ الجزء الأول: تاريخ أدب الرحلات – الجزء الأول من سلسلة أدب الرحلات
في كتابي الأول من سلسلة عن العشق والسفر بدأت بخط درامي رومانسي بين زوجين متحابين دب بينهما خلاف، فأهدى الزوج زوجته علبة من الرسائل تحتوي على رسائل مقتضبة تحمل ذكريات لهما في كل مدينة ذهبا إليها، ودفترًا من الذكريات التي جمعت بينهما في السراء والضراء.
أما في الكتاب الثاني فاستهللت بمشهد تخيلي مستقبلي لهما يقطنان فيه جزيرة -كما حلما في شبابهما- وقد قررا أن يدونا مقتطفات من ذكريات رحلاتهما على أوراق، ويضعاها داخل زجاجات، ثم يلقياها في البحر عسى أن تصل يومًا إلى من يقدرها، ويظل هذا الخط الدرامي الرومانسي هو الإطار العام الرابط للسلسلة.
قد يعجبك أيضاً
اكتشف جمال "أدب الرحلات" بطريقة جديدة؛ حيث لا تكمن المتعة المزيد