مراجعات

ضحكات كئيبة: هل ستضحك أم ستصاب بالحزن؟

إنها ضحكات كئيبة.. قد تروق لك وقد لا تروق.. قد تجدها ظريفة وقد تجدها كئيبة فعلا.. قد تجدها عميقة تتجاوز السخرية إلى ما ورءها، وقد تجدها التفاهة ذاتها.. قد تجدها موفقة جدا وقد تجدها فاشلة تماما.. المهم أنني أنذرتك مسبقا.. هذه ضحكات كئيبة.. فماذا تتوقع من ضحكات كئيبة؟

ماذا تتوقع من ضحكات كئيبة؟ بهذه العبارة يختتم دكتور أحمد خالد توفيق غلاف كتابه «ضحكات كئيبة» الصادر عن دار سبارك للنشر والتوزيع عام 2012. وبهذه العبارة أفتتح مراجعتي وأسألك السؤال ذاته صديقي القارئ، لأنك لا بد وأن تفكر في الأمر إذا قررت البدء في هذا الكتاب، وهذا سيكون شعورك على الدوام، تضحك وتحزن في كل مقال، وما أعرفه أنه مهما كان شعورك فستخرج في النهاية برؤية وفكرة من كل مقال.

عمَّ تتحدث هذه الضحكات الكئيبة؟

هذا الكتاب بالأساس هو تجميع لعدة مقالات كتبها الدكتور أحمد خالد توفيق. لا يناقش الكتاب فكرة واحدة ولا يتبع سردية معينة، بل يُناقش موضوعات مختلفة لا رابط بينها في المحتوى، ولكن القواسم المشتركة بينها أنها:

  1. تتحدث عن أفكار وتحديات ومشاكل نخوضها في حياتنا اليومية، في المنزل والشارع والعمل، وفي كل مكان. بل أكاد أجزم أنك تحدثت مع نفسك أو الآخرين في واحدة من هذه الأفكار اليوم أو الأمس.
  1. تعيد إليك بعض الذكريات عن مواقف معينة من طفولتك أو أحداث عامة عاصرتها سابقًا، وستعود إليك هذه الذكريات في قالب أدبي مميز.
  1. يخوضها أبطال حقيقيون، ولا أقصد هنا أنهم شخصيات حقيقية بالضرورة، لكنهم يعيشون بيننا فعلًا وإن اختلفت أسماؤهم بالطبع، لتجد نفسك في نهاية القراءة قد حصلت على قصة وأسقطتها على أشخاص تعرفهم في واقعك بالفعل.

الأسلوب الساخر للدكتور أحمد خالد توفيق

امتاز أديبنا بالأسلوب الساخر في الكتابة، الأسلوب الذي لا تملك إلا أن تضحك مهما اعترتك الأفكار السوداوية، ويجعلك تشعر بأن المسألة أبسط مما تظن، يسخر من نفسه في مواضع ومواقف عدة مر بها في حياته، ويهون عليك وقع الأفكار الكئيبة التي يتحدث عنها أحيانًا في بعض المقالات؛ لا تنسَ أنها ضحكات كئيبة.

يظهر أسلوب د. أحمد على طول الكتاب، فلن يخلو مقال من لمسة ساخرة للتعبير عن هذه الفكرة أو ذلك الرأي، هذا إلى جانب أنه لا يصيغ أفكاره على هيئة معلومات مجردة، لكنه يبني حولها مواقف لا تميز إن كانت حدثت فعلًا أم لا من فرط واقعيتها، وفي وسط هذه المواقف والقصص لن يفوتك الضحك على أسماء الشخصيات مثل: عباس أبو شفة – سيد الشماشرجي – مصطفى السناكحلي.

من أمثلة المقالات التي أحببت أسلوبها الساخر كثيرًا هي المقالات الآتية:

1. حتى يمر المونديال بسلام

مجموعة من النصائح كتبها زوج لزوجته عن قواعد التعامل معه في فترة كأس العالم. ذكرني ذلك بمونديال 2022 وتزامن كتابتي لهذه المراجعة مع ذكرى مرور عام على البطولة، حيث إنني طبقت هذه النصائح بحذافيرها، لا تتغير القناة تقريبًا، وأعيد جدولة جميع مواعيدي بعيدًا عن اللقاءات. يمكنني القول إنني كاتب هذه النصائح لولا الأسلوب الساخر الذي لا أمتلكه مثل د. أحمد.

2. بلا تحيز

يتطرق د. أحمد في هذا المقال لمعضلة عقدة العدالة، والأشخاص الذين يتصرفون بطريقة ظالمة لإثبات أنهم عادلون، كالناقد الذي يهاجم رواية صديقه بشدة مهما كانت جودتها، لأن الناس بالتأكيد سيعتقدون أنه سيجامله. ويتحدث في نهاية المقال عن اللفظ الروسي «بريجيب» الذي يعني محاولة تقويم العصا المثنية بحيث تنثني إلى الناحية الأخرى.

3. المواظبون

يتحدث د. أحمد عن المواظبة باعتبارها صفة للأشخاص الذين نجحوا في الحياة، وأنها الفارق الأساسي بينهم وبين الذين لم يحققوا شيئًا لسرعة مللهم، ويهون عليك وقع الأمر بوصفه الساخر لنفسه ضمن أحد النوعين من طريقة كتابته للخاتمة.

4. عالمنا الصغير

نظرة الأشخاص للعالم من موقعهم الشخصي، واعتقادهم بأنهم ربما الأهم على هذا الكوكب، وأن من يعرفونهم هم الأهمية، كزائر المستشفى الذي يسأل عن «العمدة» دون ذكر اسمه، لأنه بالطبع عمدة بلده ولا بد أن يعرفه الجميع. يصف د. أحمد بسخرية مواقف تظهر فيها هذه الصفة، بعضها مواقف مرَّت عليه هو شخصيًّا في حياته.

5. معضلة جحا والحمار

المعضلة الشهيرة عن جحا وابنه والحمار وتعليقات الناس باستمرار، ويقترح له د. أحمد بسخرية ستة حلول جديدة يمكنه تجربتها لحل هذه المعضلة ليتجنب تعليقات الآخرين عليه، ويطرح بسخرية حلًّا آخر وهو أنه يمكن لجحا تجاهل تعليقات الناس تمامًا وأن يفعل ما يحلو له.

6. لن أخدع بسهولة

معضلة التعامل مع الحرفيين ومحاولة استخدام المصطلحات المتخصصة في التعامل معهم، لإقناعهم أنهم لن يخدعوك وأنك تفهمهم وتعرف ما يفعلونه بالضبط. في النهاية يعلن د. أحمد عن تعرضه للخداع في جميع الأحوال، وأننا نحتاج لتقبل الأمر ببساطة والجلوس -كجلوس د. أحمد لكتابة هذا المقال- لترك الشخص يقوم بعمله ودفع ما يطلبه من مقابل مادي.

7. بركة

الاعتقاد الخاطئ في امتلاك بعضهم خاصية البركة، والاكتشاف في نهاية القصة أنهم ببساطة ليسوا كذلك، وإنما هم يخطئون في حساباتهم وتقديراتهم للأمور أو يجهلونها كليًّا، فيتكلمون فيما لا يعرفون من الأساس ويصدرون أحكامًا لا معنى لها فعلًا.

أهم الأفكار التي استخلصتها من الكتاب

تضمن كل مقال مناقشة لفكرة معينة، سواءٌ بصورة مباشرة أم ضمنيًّا في إطار المقال. سأحدثك عن بعض الأفكار التي خرجت بها من الكتاب وأحب مشاركتها معك، وسأكتبها بأسلوبي الشخصي لأترك لك المساحة لتقرأها مرة أخرى بأسلوب د. أحمد وتستمتع بها في سياقها داخل الكتاب.

1. القلق بشأن الفرص

يعتقد الإنسان دائمًا في وجود فرصة ما ستغير حياته، ومن أجلها يضطر لقبول وضع سيئ غير مُرضٍ له، والمشكلة أنه لا يعرف عن هذه الفرصة أي شيء بعد، والأدهى أنها قد لا تكون موجودة أصلًا، فهو ينتظر المجهول الذي قد لا يأتي. الصواب هو أن يركز الإنسان على اقتناص الفرصة السانحة أمامه الآن، وألا يلقي بالًا بالفرص غير المعروفة، وأن يقتنص المتاح له ويصنع منه الأفضل لحياته.

2. الاعتقاد الخاطئ بالأفضلية على الآخرين

يسهل على الإنسان وصف الآخرين بأحكام خاطئة لا أساس لها، لمجرد أن ذلك يُشعره بالرضا عن نفسه، ويجعله يظن أنه الأفضل. بينما في الواقع مجرد الحكم على الآخرين لا يعني الأفضلية عليهم حتى وإن ظل الإنسان يُقنع نفسه بعكس ذلك، والحقيقة هي أن الأفضلية يكتسبها الإنسان بأفعاله، لا بأوصاف الآخرين له.

3. اختلاق وهم وتحميله مسؤولية الخطأ

شاع في كأس العالم تنبؤ الأخطبوط بول بنتائج اللقاءات، حتى أن الكثيرين آمنوا وانتظروا تفسيراته، بل وتلاعبت هذه التنبؤات بحالتهم النفسية. في الحقيقة هذه فكرة شائعة وهي اختلاق وهم ما والإيمان به، وتحميله مسؤولية أي خطأ ناتج عن الأمر، بل إن التصديق في هذا الوهم يكون سببًا في حدوث الخطأ أحيانًا لأثره على المعنويات. بينما يحتاج الإنسان لإدراك أن هذه مجرد فكرة في ذهنه، وعليه ألا يؤمن سوى بالأخذ بالأسباب وأن يفعل ما عليه مع تصديقه في أقدار الله فقط.

4. الافتراضات الخاطئة عن الرجل المشهور

يضع الناس افتراضات خاطئة عن الرجل المشهور أنه يعرف كل شيء، ونحن للأسف نرى هذا من حولنا دائمًا، ونجد أشخاصًا يفتون في غير تخصصهم، ويثق الآخرون بأقوالهم. والمشكلة أن هذا الرجل المشهور إذا قال إنه لا يعلم، ينظر إليه الآخرون بصدمة أننا «كنا نحسبك تعرف كل شيء». دعني أخبرك يا صديقي إذا كنت أنت ذلك الشخص المشهور، فلا تدع افتراضات الآخرين أو تطلعاتهم تتحكم بك أبدًا، واحترم نطاق تخصصك دائمًا ولا تتحدث فيما تجهل مهما طُلِب منك.

5. آلية انتشار الإشاعات

توجد لعبة اسمها الهاتف الصيني، تتضمن سرد قصة يتناقلها الآخرون حتى الوصول لآخر فرد، والمقارنة بين القصة الأولى والأخيرة، بالطبع نكتشف في النهاية أن القصة اختلفت تمامًا. تُعلمنا هذه الفكرة كيف تنتشر الإشاعات والتفسيرات الخاطئة، وأننا نحتاج للتفرقة بين الحدث نفسه وتأويلات الآخرين له، لا سيما أن بعض هذه التأويلات ليست سوى تأليف لا علاقة لها بالحدث وتفسيراته الحقيقية.

6. الاعتقاد الخاطئ في التغيير

في بعض الأحيان يحاول الإنسان تغيير نفسه، لكن يفعل ذلك بطريقة تمنحه الشعور بذلك فقط، بينما في الواقع هو أبعد ما يكون عن التغيير. نحن بحاجة للتفرقة بين الإرادة الحقيقية والإرادة الزائفة، فالإرادة الزائفة هي وهم خاطئ يجعلنا نتمادى في الخطأ، ونحن نعتقد العكس ونصدق أننا على طريق التغيير؛ بينما الإرادة الحقيقية هي القدرة على التغيير فعلًا وعدم خداع النفس، والإدراك بأن الأمر يحتاج إلى مجهود وصبر.

7. المستمع العاقل

دائمًا ما يُبالغ الناس في قصصهم وأفكارهم، وتتوقف الفكرة على دورك أيها المستمع لما يُقال وتفنيد الكلام وبحث الحجج. لا تصدق كل ما يُقال ببساطة، ولا تحاول تبرير الأمر بأنه لا دافع للشخص من الكذب؛ ما تحتاج إليه هو فحص الكلام جيدًا لفهمه واستيعابه ونقده، فهذا ما يمكننا من الوصول إلى الحقيقة فقط، ولا تنسَ أن تتبع المثل المصري: «إن كان المتكلم مجنونًا، فليكن المستمع عاقلًا».

اقرأ أيضًا: مبادرة الشريك الأدبي (قريبًا)

مع أم ضد: كتب المقالات المجمعة

دائمًا ما تتعرض كتب المقالات المجمعة للنقد، لرؤية بعضهم أنها تفقد جزءًا مهمًّا في بناء الكتاب وهو السياق المشترك والتصاعد الذي يخلق حالة الترابط بين المحتوى. يُرَد على هذا الانتقاد دائمًا بضرورة أن يحرص الكاتب على انتقاء المقالات لتكون مرتبطة وذات صلة، وترتب في الكتاب بتسلسل مناسب؛ لكن بالطبع هذا الحل لا يناسب جميع القراء، ويقع في إطار التفضيلات الشخصية.

ونتيجة لهذا الانتقاد تُطرح نقطة أخرى ذات صلة وهي اختيار اسم الكتاب، فيرى بعضهم أن اختيار اسم لمجموعة مقالات مجمعة لم تُكتب لسياق مشترك، ستكون في النهاية عملية غير دقيقة، ولن يعبر الاسم عن المحتوى كاملًا، ولن يكون هناك فارق إذا تم تغييره أو حتى تسميته «مقالات مجمعة».

لكوني كاتب هذه المراجعة؛ سأمنح نفسي الامتياز لأخبرك رأيي في هذه الانتقادات، وهو أنني أحترمها فعلًا وأفهم مقاصد قائليها وأفكارهم، لكن رغم ذلك فأنا لم أشعر بوجود مشكلة في الكتاب، ورأيت أن الاسم يُناسب محتوى المقالات، ربما لحبي لكتابات د. أحمد وأسلوبه، وأيضًا تفضيلي لقراءة المقالات بصفة عامة. وهذا بالطبع ليس حكمًا مطلقًا، فأنا أدعوك صديقي القارئ للحكم بنفسك، وقراءة الكتاب واكتشاف هذه الضحكات الكئيبة الكامنة بين السطور.

Shares:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *