لطالما كان التفكير بالإبداع الشغل الشاغل للبشر، فمن منَّا لا يرغب بأن يكون شخصًا مبدعًا في مجال من المجالات التي يحبها؟ فالتوق للتميز والظهور والشهرة كامن في أعماق النفس البشرية، وهو ما يميزها عن غيرها.
ومن هنا، فإنَّ مركزية فكرة الإبداع في الذهن البشري جعل منها محطًا لتساؤلات عدَّة، تتمحور حول ما يلي:
كيف ينتج المبدعون أفكارهم؟
هل هناك طريقة محددة لأكون مبدعًا؟
هل الإبداع موهبة أم تدريب؟
اسرق مثل فنان «لا شيء يأتي من العدم»
كثيرًا ما سألت نفسي: كيف ينظر الفنانون إلى العالم؟ هؤلاء الذين أنتجوا كل أشكال الفن من الأفلام، والموسيقى، والشعر، والرواية، والقصة، وما إلى ذلك. كيف نظروا إلى العالم؟ كيف أنتجوا تلك الأفكار التي لم تخطر على بالي قط؟ كيف فهم الفنان النفس البشرية أو توقَّع تصرفات بشرية يسلكها البشر في أوقات كثيرة؟ تأكدت بأنهم يمتلكون ما لا نمتلك، أو أنهم على الأقل لهم وحي خاص، وتمنيت يومًا أن أقابل العديد من الفنانين أو المُبدعين كي أسألهم: كيف تنظرون إلى العالم؟
يجيب أوستن كليون عن هذا السؤال بوضوح وصراحة: يسرقونها. بهذه السهولة؟ فالفنان الحقيقي يجمِّع المعلومات والأدلة والموضوعات العامة والخاصة، ويخضعها لعملية تنقية، فيحصل على فكرة مميزة، يحولها لمنتج فني جديد في مجاله، وبذلك تصبح جميع الأفكار في ذلك العالم تقريبًا أفكارًا مُعادًا تدويرها في أشكال وأثواب مختلفة.
بناء على ذلك، ليس هناك شيء خارج الصندوق؛ فأي فكرة إبداعية هي في جوهرها إعادة تدوير لأفكار سابقة، وكل ما يُقال الآن قد قيل سابقًا، مع إخضاعه لإعادة ترتيب وتدوير. وبالتالي، لا يعيبك إعادة تدوير الفكرة، وإنما يعيبك بحثك الدائم عن التميُّز بما لم يستطعه الأوائل، وتضييع الكثير من الوقت الذي يمكنك استثماره فيما هو أفضل.
يمكننا القول، إنَّ الإنسان يجمع أفكاره ومواقفه على مدار السنين، وطريقة استخدامه لتلك الأفكار هي ما يميز إنسانًا من الآخر. فأنت لا تختار آباءك ولا طريقة تربيتك في سنينك الأولى، ولكنك بعد ذلك تدرك موقعك في الحياة، فتختار الطريقة التي يجب أن يتعامل بها الناس معك، وتتخير كلماتك التي ترد بها على الآخرين، وتقرر تخصصك، فأنت هنا لا تخترع شيئًا من العدم، ولكنك تستثمر ما بين يديك لتحدد شخصيتك.
البداية الآن: لا تنتظر اكتشاف ذاتك
يكون الشخص الناجح أو الطامح للنجاح في حياته أو عمله متشككًا من جودة موقفه، بل دعنا نقُل يكون مصابًا بمتلازمة المحتال، وهي متلازمة تصيب الأشخاص حينما يظنون أن ما حققوه مزيَّف وليس حقيقيًّا، بل قد يذهبون إلى أنَّ أفكارهم الجيدة وإنتاجهم المتفرد مجرد مصادفة لا أكثر. هذه المتلازمة قد تصيب أي شخص منَّا، بيد أنَّه علينا العمل على تحويلها إلى حافز للنجاح الجديد والمستمر.
فالطموح للمعرفة والنجاح والتطور يستلزم المحاولة والبدء في العمل، فنحن لم نولد متعلمين الكتابة والقراءة، ولم ننتظر لنكون مفوهين حتى نبدأ بالكلام، فالطفل يبدأ بالتقليد، ومرة تلو أخرى ينجح؛ ومن هنا، فالوصول للنتيجة المرجوة يحتاج إلى البدء في التعلُّم والمحاولة والتقليد والتكرار، فلا تنتظر أن تكون عالمًا وأنت لم تبحث أصلًا.
والسؤال المهم في هذا السياق: كيف تحدد طريقك في المحاولة والتقليد وأنت في طور التكوين؟ يجيب عن هذا التساؤل الرسام الكرتوني «غاري بانتر» بقوله: إنَّ التأثُّر بشخص واحد يجعل الناس تقول عنك خليفته إن كنت جيِّدًا، ومقلدًا سيئًا إن كان إنتاجك دون المستوى؛ ولكن إن كنت متأثرًا بالعديد من الشخصيات الناجحة، سيصعب وصفك بالمقلد أو الخليفة، وذلك لأنك نهلت من منابع عدة، بل يمكن أن يُقال: إنَّك حاولت واجتهدت وبحثت، وطبعًا إن نجحت فستكون المبدع الناجح الذي أنتج فكرة جديدة، وهي في الحقيقة خلاصة أفكار متعددة، شكَّلتها أنت بقدرتك على الإبداع والسرقة والإخفاء.
قصتك الخاصة: ألِّف الكتاب الذي ترغب بقراءته
إنَّ أفضل نصيحة تُقدَّم لأي شاب مبدع أو منتج هي: «قدِّم ما تريد أن تراه أو تقرأه، اكتب نسختك الخاصة من الفيلم الذي أحببته، مدد صفحات الرواية وتعمَّق في تفاصيل الشخصية التي أحببتها، حتى في حياتك الاجتماعية كن الشخص الذي تريد أن تتعامل معه»، فبهذه الطريقة تتطور وتبدع في مجالك الذي تحب.
استخدم يديك: الأفكار تأتي من التفاعل
هناك اتفاق عام بين العديد من المفكرين والكتَّاب، مفاده أن الحاسوب أو الهاتف الجوال أفقدنا متعة مذهلة، وهي إنشاء المسودات والتعديل عليها. فعلى الرغم من أن برامج الكتابة على الحاسب أفضل في التنظيم والتجهيز، إذ تجعل النص جاهزًا للنشر بعد ثوان من كتابته، إلا أنها لا تفيد كثيرًا في عملية صنع الفكرة أو التمسك بها.
لا تفوت قراءة: حبسة الكاتب
الهوايات «متنفسك الحقيقي»
إنَّ هواياتك التي تمارسها -مهما كان نوعها- هي المتنفس الحقيقي لك، بل حتى نشاطاتك اليومية التي قد تعتقد أنَّها نشاطات مملة ولا أهمية لها، تشكل متنفسًا قويًا لعقلك، بل إنَّ هذه النشاطات كثيرًا ما تدفع عقلك إلى إظهار فكرة إبداعية ما، لم يظهرها في أثناء الضغط عليه، فكم فكرة ممتازة خطرت على ذهنك وأنت تكوي الملابس أو تغسل الأطباق؟
السر في الشهرة: طريق مضمون
لطالما بحث الناس عن الشهرة، وسعوا وراءها، وانتظروها متسائلين: متى تأتي؟ ولذلك، فإن النصيحة الذهبية دائمًا: أنتج عملًا فنيًّا جيدًا، ثم ابحث عن الشهرة. وعند ذلك قد تأتي الشهرة بسبب ما تقدمه، وقد لا تأتي، ولكن على الأقل تكون قد استطعت تقديم أفكارك للعلن بشكل جيد.
الجغرافيا: الحدود تراب
لم تعد الحدود الجغرافية مهمة إلا على طاولات السياسة فقط؛ فالكون غدا مفتوحًا أمام التواصل المستمر. وبالتالي، إن أردت الوصول إلى الآخرين، وتقديم ما تبدع به، فما عليك إلا بعالم الإنترنت، وأثناء خوضك هذا العالم، تقبل النقد، وتعلم لغات مختلفة، وحاول الاستفادة من مختلف الأشخاص، ولا تخف على أفكارك من السرقة، فذلك دليل على جودتها، إذ لو كانت سيئة لما التفت إليها أحد.
كن روتينيًا منظمًا: النجاح يأتي بعد عمل
هناك صورة مغلوطة عن المبدع، تظهره بأنَّه هائم على وجهه، ويتعاطى المخدرات، ويقيم العلاقات الغرامية فقط، هذه صورة غريبة وغير صحيحة في كثير من الأحيان. فأنا -على سبيل المثال- أفضِّل العمل المنظم والمرتب، فالحياة التي يغلب عليها روتين ثابت تكون أكثر هدوءًا، وتجعل عقلك غير مشتت، وهذا ما تحتاجه لتقدم أفضل ما لديك.
الشريك الجيد
من أهم الخطوات في حياتك هي اختيارك شريكًا جيِّدًا فعلًا، شريكًا يتحمل معك المشقة قبل الفرح، لديه رغبة في نجاحك مثلما يكون لديك رغبة في نجاحه، فالزوجة مثلًا أو رفيقتك هي جمهورك الأول وناقدتك اللاذعة الأشد، فاختر بشكل صحيح من يدفعك للأمام، حتى شركاء العمل وأصدقاءك بالعمل ورفاق حياتك، لا بد أن تختار من يساعدك على النجاح لا من يحبطك.
الإبداع: اقتطاع وطرح
أهم صفة يجب أن تكون في المبدع أو الفنان هي: قدرته على اقتطاع الأفكار المهمة من بين الركام وطرح الأفكار اللازمة للمشاركة مع الآخرين. فليست كل الأفكار صالحة للعمل عليها، ومن الخطأ أصلًا فعل ذلك. وأيضًا من الخطأ قول كل ما تعرف ويخطر على بالك للناس؛ فالتركيز مهم على ما تعمل عليه وما تريد أن تقوله.
قد يعجبك أيضاً
يتناول مقال محمد أسامة مراجعة رواية "لا شيء أسود بالكامل" المزيد
تقدم شيماء مصطفى في مراجعتها رواية «عمة آل مشرق» للكاتبة المزيد