تُعد دارة الملك عبد العزيز درة المؤسسات الثقافية في المملكة العربية السعودية وأعرقها، إذ تمتلك الدارة مقدَّرات اقتصادية وعلمية مكَّنتها من الاضطلاع بهذا الدور الكبير منذ تأسيسها وحتى اليوم، لتكون بحق ذاكرة الوطن السعودي ومرجعًا في التراث الحضاري والثقافي للمملكة، وأحد مقومات الأمن الفكري فيها.
التأسيس
كانت الطفرة الاقتصادية العظمى التي شهدتها المملكة العربية السعودية مع بداية عقد السبعينيات حدًّا فاصلًا بين مستقبلٍ واعد يحث سيره، وبين ماضٍ يؤذن بالأفول قد توارثه الأبناء عن الآباء في صحاري نجد وجبال تهامة وحارات الحجاز. وبين هذا وذاك وُلدت فكرة دارة الملك عبد العزيز كي تستنقذ ذاكرة المملكة من النسيان أمام الطفرة التكنولوجية المتسارعة، وفي عام 1392هـ/1972م صدر المرسوم الملكي بتأسيسها.
ونظرًا لما للدارة من أهمية، فقد جاء مجلس إداراتها مُمثلًا لقمة الإدارة السياسية والثقافية في المملكة؛ حيث يتولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود رئاسة مجلس الإدارة، ويتولى سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز منصب نائب رئيس مجلس الإدارة، ويضم المجلس عددًا من الوزراء السعوديين بالإضافة إلى ممثلين عن مكتبة الملك عبد العزيز العامة، ومكتبة الملك فهد الوطنية، والمركز الوطني للوثائق والمحفوظات بالديوان الملكي. وقد أولاها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عناية خاصة منذ كان أميرًا للرياض فلم يتغيب عن حضور اجتماعات مجلس إدارتها ولا عن متابعة أدق تفاصيل العمل فيها وهي إلى اليوم على رأس الأولويات الثقافية للمملكة.
الأهداف العامة
وضع مرسوم تأسيس دارة الملك عبد العزيز عددًا من الأهداف التي تسعى لتحقيقها، لعل من أهمها:
- توثيق التراث السعودي وجمعه وأرشفته وإتاحته بصوره المتنوعة من وثائق وكتب ومخطوطات وصور وأفلام… إلخ.
- المحافظة على المخطوطات والمواد التاريخية القيِّمة ورعايتها والاهتمام بها.
- الاهتمام بنشر الكتب والأبحاث والدراسات التي تهتم بتاريخ المنطقة، وتشجيع الباحثين على دراسته.
- إقامة المعارض والندوات.
- إنشاء قاعات تذكارية ومتاحف.
وتقوم الدارة بتقديم خدماتها من خلال عدد من المراكز التابعة لها، نعرض لها تفصيلًا فيما يلي:
تأسَّس مركز التاريخ الشفوي بدارة الملك عبد العزيز في عام 1416هـ/1994م وشُكِّلت له إدارةٌ مستقلة من بين أقسام الدارة، وزُوِّد بما يحتاج إليه من الأجهزة والمعدات.
اعتنى المركز برصد الروايات الشفوية حول تاريخ المملكة العربية السعودية وتراثها الفكري والثقافي عن طريق مقابلة الرواة والإخباريين وكبار السن وتضمين بيانات المقابلات في قاعدة معلومات ضخمة تشمل نصوص المقابلات وكافة المعلومات المتعلقة بالأشخاص وأماكنهم وبياناتهم، ومنذ أواخر التسعينيات تمكَّن منذ تأسيسه في جمع أكثر من 3 ملايين وثيقة وأكثر من 5 آلاف مخطوط، وعقد 5 آلاف مقابلة شفوية.
2. مركز تاريخ مكة المكرمة
أُسِّس مركز تاريخ مكة المكرمة في عام 1429هـ/2008م ويقع مقره في مكة، ويعمل على الاهتمام بتاريخ المدينة المقدسة من خلال جمع الكتب والدراسات والمخطوطات والوثائق والخرائط، والمواد الفيلمية والصور وغيرها من المواد المتعلقة بتاريخها. ولأجل ذلك ينشر المركز العديد من الدراسات والكتب حول المدينة، ويهتم بتحقيق المخطوطات ونشرها، وإصدار عدد من الدوريات، ودعم الباحثين المهتمين بتاريخ مكة المكرمة. هذا بالإضافة لعقد عدد من الندوات التي تُعرِّف بتاريخ المنطقة وأهم مصادرها.
اعتنى المركز برصد الروايات الشفوية حول تاريخ المملكة العربية السعودية وتراثها الفكري والثقافي عن طريق مقابلة الرواة والإخباريين وكبار السن وتضمين بيانات المقابلات في قاعدة معلومات ضخمة تشمل نصوص المقابلات وكافة المعلومات المتعلقة بالأشخاص وأماكنهم وبياناتهم، ومنذ أواخر التسعينيات تمكَّن منذ تأسيسه في جمع أكثر من 3 ملايين وثيقة وأكثر من 5 آلاف مخطوط، وعقد 5 آلاف مقابلة شفوية.
ومن أهم إصدارات المركز «الحجيج التونسيون زمن الاستعمار الفرنسي» لنجيب بن مرعي، و«الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية في مكة المكرمة» من خلال رحلة الاقتصادي المصري مصطفى الراعي، و«الحياة العلمية في مكة المكرمة 1115-1334هـ (1703-1916م)» لآمال رمضان صدِّيق.
3. مركز الملك سلمان بن عبد العزيز للترميم والمحافظة على المواد التاريخية (ترميم)
تأسس المركز في عام 1425هـ/2005م ليضطلع بمهمة فعلِ كل ما يلزم للمحافظة على الوثائق والمخطوطات القديمة والاعتناء بها، وذلك من خلال الخدمات الفنية المساندة مثل التعقيم والمعالجة والترميم والتصوير الميكروفيلمي والتصوير الرقمي والتجليد. ولا يقتصر عمل المركز على حفظ مقتنيات الدارة فحسب، بل يتعداها إلى المحافظة على ما يوجد من هذا التراث لدى المواطنين والمكتبات العامة والخاصة.
4. مركز تاريخ البحر الأحمر وغرب المملكة العربية السعودية:
أُنشئ المركز في عام 1434هـ/2013م متخذًا من جدة مقرًّا له، ليؤسس مرجعية علمية حديثة تخدم تراث المنطقة وتساهم في نشره والترويج له. ويقدم المركز خدماته العامة عبر تنظيم اللقاءات والندوات للتوعية بأهمية المنطقة. ومن إصداراته المهمة «العمارة بمدينة جدة في العصر العثماني»، و«الخليج العربي والبحر الأحمر من خلال الوثائق البرتغالية» و«جدة: دراسة تاريخية وحضارية في المصادر المعاصرة».
5. وحدة المخطوطات المحلية
تأسست وحدة المخطوطات المحلية عام 1423هـ/2002م لجمع المخطوطات التاريخية السعودية والحفاظ عليها. وتقوم الوحدة على رعاية خمسين مكتبة خاصة مليئة بالمخطوطات المحلية التي ناهزت خمسة آلاف مخطوط منها مجموعة الملك عبد العزيز الخاصة ومجموعة نادرة من المخطوطات.
وتتكون رعاية الوحدة لمخطوطات أي مكتبة من عمليات تصنيف هذه المخطوطات وفهرستها، وبناء قاعدة بيانات تفصيلية للمخطوطات، والحفاظ عليها بتقديم العناية اللازمة، وإبراز هذا التراث المخطوط وإتاحته للباحثين والمهتمين.
يُعد المركز السعودي لنظم المعلومات الجغرافية التاريخية أول مركز يعمل على توظيف تكنولوجيا نظم المعلومات الجغرافية في دراسة تاريخ المملكة العربية السعودية وأبعاده السياسية والحضارية. ويسعى كذلك إلى ربط تاريخ المملكة بجغرافيتها من خلال إصدار الأطالس ذات الخرائط الرقمية التفاعلية والتي تحاكي أحداث التاريخ الوطني في حقبه المتتالية.
يسعى المركز لأن يكون مرجعًا علميًّا دقيقًا وشاملًا في مجال نظم المعلومات الجغرافية التاريخية، ويهدف إلى أن يكون نموذجًا يُعتمَد عليه عالميًّا عند تأسيس مراكز مماثلة في مختلف أنحاء العالم.
تأسس المركز عام 1425هـ/2005م، ليكون أحد المراكز الفريدة التي تسعى لتقديم خدمات الرقمنة، وعمليات التحول الرقمي والحفظ الرقمي والأرشفة الإلكترونية، وإتاحة الوصول، وذلك وفقًا لأحدث التقنيات والتطورات الحديثة. وكل ذلك ليكون المرجعية العلمية والتقنية الوطنية في هذه المجالات.
يستهدف المركز حفظ وتعزيز توافر المحتوى والوسائط المختلفة، ويعمل على رقمنة الكنوز التراثية السعودية، ويقدِّم المركز خدماته لكافة القطاعات الحكومية وشبه الحكومية وللقطاع الخاص، ويقدم دورات تدريبية وتثقيفية وتوعوية في مجالات عمله المختلفة. ولتحقيق هذه الأهداف يتعاون المركز مع مكتبة الكونجرس ووزارة التعليم السعودية والمركز الوطني للوثائق والمحفوظات.
ولم يقتصر عمل مركز رقمن على رقمنة محتويات دارة الملك عبد العزيز، بل امتد لتحويل الكثير من خدماتها من الشكل التقليدي إلى الشكل الرقمي، حيث يمكن لأي مستفيد تقديم خدمات طلب نشر كتاب، أو فحص بحث، أو طلب تصوير، أو طلب إفادة عن صحة وثائق تاريخية أو مخطوطات، أو طلب تعقيم أو ترميم أو تجليد مواد تاريخية وغيرها من الخدمات من على صفحة الخدمات الإلكترونية. وكذلك تتيح الدارة شراء إصداراتها الورقية أو الاطلاع على كتبها المتاحة برخصة المشاع الإبداعي عبر منصتها متجر الدارة.
بالإضافة إلى كل المشروعات السابقة، تمتلك دارة الملك عبد العزيز مكتبةً كبرى لخدمة الباحثين والقُراء، وتضم المكتبة ست قاعات تضم الكتب العربية والأجنبية، والمراجع العربية والأجنبية، والرسائل الجامعية، والنوادر، والمكتبات الخاصة، والدوريات. ونظرًا لإدراك دورها الريادي الذي تضطلع به المكتبة فقد أُهدي لها ثلاث عشرة مكتبة خاصة، وبلغ إجمالي المجلدات المهداة 15,940 مجلدًا، و1116 دورية.
مشروعات الدارة
وإلى جانب عمل هذه المراكز المستمر، دشَّنت الدارة عددًا من المشروعات العلمية المهتمة بتاريخ المملكة وتراثها، أبرزها:
- المصادر السريانية لتاريخ وحضارة العرب والجزيرة العربية الذي يهدف إلى حصر وترجمة ما تضمنته مصادر التراث السرياني من نصوص ذات علاقة مباشرة بتاريخ الجزيرة العربية والعرب والتاريخ الإسلامي. وتمكَّن المشروع بالفعل من حصر ثمانين مصدرًا سريانيًّا تؤرخ للفترة من القرن الثالث وحتى الثالث عشر الميلادي.
- موسوعة الحج والحرمين التي تهدف إلى رصد تاريخ الحج وتوثيقه منذ مرحلة ما قبل الإسلام إلى وقتنا الحاضر في مصدر موسوعي موحد. وقد أُنجِز المشروع بكامل مباحثه، وهو قيد المراجعة العلمية، وسيخرج في 35 مجلدًا، ليكون مرجعًا علميًّا موثقًا عن كل ما يتعلق بالحج.
جوائز الدارة
ومع هذه الجهود كلها، تعمل الدارة على تشجيع الباحثين والمؤرخين على الاهتمام بالسعودية وتاريخها وتاريخ الجزيرة بصفة عامة، وتقدم لأجل ذلك جائزة الملك سلمان بن عبدالعزيز لدراسات وبحوث تاريخ شبه الجزيرة العربية بإجمالي مليون وخمسمئة ألف ريال سعودي، موزَّعةً على ستة فروع هي:
- الجائزة التقديرية للمتميزين في دراسات وبحوث تاريخ الجزيرة العربية للسعوديين، وقيمتها 500.000 ريال.
- الجائزة التقديرية للمتميزين في دراسات وبحوث تاريخ الجزيرة العربية لغير السعوديين، وقيمتها 500.000 ريال.
- جائزة أفضل رسالة دكتوراه، وقيمتها 100.000 ريال.
- جائزة أفضل مقالة علمية، وقيمتها 100.000 ريال.
- جائزة الترجمة، وقيمتها 100.000 ريال.
- جائزتان تشجيعيتان للشباب في مجال الإعلام الجديد، قيمة كل منهما 100.000 ريال.
عضوية الدارة في الجمعيات
تتمتع الدارة بعضوية مؤسسات تاريخية كبرى على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي منها:
- جمعية التاريخ الشفوي الأمريكية.
- جمعية التاريخ الوطني البريطانية.
- المجلس الدولي للأرشيفات.
- جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون الخليجي.
- اتحاد المؤرخين العرب.
- الجمعية التاريخية السعودية.
وختامًا، تشير كلمة الدارة في العربية إلى كل أرض واسعة بين جبال، وأيضًا تشير إلى كل ما أحاط بالشيء كالدائرة ونحوها، ودارات العرب هي سهولها المنبسطة التي تَحُفُّها الجبال وتنبت فيها أطايب النبات والثمار، وقد أفاضَ الشعراء في مدحها ووصفها واعتنى دارسو الأدب في حصرها وجمعها، وتلك دارة أخرى تهديها المملكة السعودية ليس إلى مواطنيها فحسب بل إلى كل عربي يطمح إلى معرفة تاريخ شبه الجزيرة العربية مهد عروبته ودينه، بل هي هديتها إلى جميع المثقفين في العالم كله ممن يحب أن يتعرف إلى تاريخ الجزيرة العربية وثقافتها وحضارتها، بالإضافة لما تقدمه للباحثين من منجم لا ينضب يثري الدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية.
قد يعجبك أيضاً
هل تُسهم الجوائز المالية في دعم الكتاب وتطوير صناعة النشر المزيد