مقالات

العادات الثمانية للكتاب الناجحين

في مجال الكتابة توجد عادات يمكن تطويرها قد تسهِّل العمل. وفي هذا المقال نشارك معك مجموعة من هذه العادات التي تدعم النجاح.

كانت جدتي تقول لي دائمًا: «خير عادة ألا تجعلي لكِ عادة» ولم أفهم أبدًا ماذا كانت تقصد، وربما كنت أسخر في نفسي من كلام كهذا، إلى أن كبرت قليلًا وأدركت أنه في الأغلب يحتاج الإنسان إلى الكثير من التقليد والمحاكاة في بداية حياته إلى أن يُكوِّن لنفسه أسلوبه الخاص ويعثر على منهجه المستقل، وبالتالي يتخلى عن العادات التي يقلد الآخرين فيها فتكون له عاداته الخاصة التي يمارسها على السجية، وبالتالي فلن يعتبر متبعًا لعادات بعينها. المفارقة هنا أن هذه العادات التي يتبعها على السجية هي نفسها ستصير عادات سيُسأل عنها لاحقًا وتكون عادات لشخص آخر يتبعها بحذافيرها إلى أن يتخلص منها فلا تصير له عادة! وهكذا في شؤون الحياة كلها من أبسط الأشياء مثل الطبخ إلى أكبر الأشياء مثل تخطيط المدن مثلًا.

والكتابة شأنها شأن غيرها من الممارسات الإنسانية التي يسجل الناس فيها خبراتهم وتجاربهم، وبطبيعة الحال يمكن أن تعتبر هذه الخبرات أو التجارب أو العادات وصفات سحرية لها مكوناتها وطرق تحضيرها لكي تحقق مكسبًا ما مضمونًا كما يشيع في بعض كتب التنمية البشرية، لكن في الحقيقة لا يجري الأمر بهذه الطريقة عادة، ولست مشغولة في هذا المقال بأن أصف لك وصفة كهذه.

ومع ذلك، في أي مسار مهني تسلكه، بما في ذلك مجال الكتابة، يوجد عادات يمكن تطويرها قد تسهِّل العمل. وعلى الرغم من أن الكتَّاب لديهم طرائق مختلفة لإدارة وقتهم في الكتابة (مثل الابتعاد عن الملهيات، وتحديد أهداف وجداول، ووضع المهام الأصعب على رأس قائمة الأولويات وغيرها) ولديهم أساليب متنوعة للعمل (بعضهم يُعدون خططًا دقيقة قبل البدء، والبعض الآخر يكتب مسودات أولية بسرعة وهكذا)، إلا أنه بمطالعة تجارب الكتَّاب وتسجيلهم لخبراتهم في الكتابة نستطيع أن نستخرج أبرز العادات التي تدعم النجاح.

وعند التفكير في نجاح الكتّاب، تُثار بعض القضايا الصغيرة.

أولاً، تشير ليزلي جريفينيوس إلى أنه لا يمكننا تقديم إجابة شافية على سؤال «من هو الكاتب الناجح؟»، ما يجعل اقتراح عادات للنجاح أمرًا متعذرًا. فهل يعني النجاح نشر رواية في مكان ما؟ أم أنه يعني أن تكون المؤلفات ضمن قائمة أكثر الكتب مبيعًا؟ هل تلعب المهارات اللغوية دورًا في ذلك؟ أم هل يشمل النجاح الكتابي صفات لا يُمكن تعريفها بسهولة مثل الحصول على إجابات لأسئلة أو الشعور بأنك وصلت ولامست جمهورًا معينًا.

إذن، هل تحقيق الهدف الرئيسي للكاتب من الكتابة هو مقياس نجاحه؟ يختلف الهدف باختلاف شخصية الكاتب، فمثلًا كان جورج أورويل يعتقد أن الكاتب يكتب إما حبًا للذات أو بدفعة من الحماس الجمالي أو الحافز التاريخي أو الهدف السياسي. وكان توفيق الحكيم يكتب من أجل إثارة عقل القارئ ولجعله يفكر. وكل تلك الأسباب ملموسة ويمكن الجزم بتحقيقها أو عدمه. لكن ماذا عن هؤلاء الذين كانوا يكتبون فقط من أجل الرغبة في الكتابة مثل نجيب محفوظ، أو من أجل المتعة الكامنة في فعل الكتابة مثل لطيفة الدليمي أو حتى محمود درويش الذي كتب لأنه «بلا هوية ولا حب ولا وطن ولا حرية»؟ كيف يقاس نجاحهم؟

على أي حال، من هو القاضي بنجاح الكتَّاب أو حتى الكتب؟ قال الروائي أمير تاج السر ردًا على هذا التساؤل في مقال له بعنوان «نجاح الكتاب وفشله»: «لا أعرف؛ لا أحد يعرف حقيقةً؛ إنها حظوظ موزعة في فضاء القراءة». فهو لا يعتقد أن مبيعات الكتاب أو الضجة التي يسببها على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى عدد اللغات التي يُتَرجَم إليها الكتاب قد ترقى لتكون معايير نجاح الكتب.

إذن فإنه بالرغم من كل ما سبق فإنه مازالت هناك حاجة لأن نطالع عادات الكتَّاب الأكثر شيوعًا بينهم، لا باعتبارها وصفات سحرية لتحقيق نجاح مضمون، وإنما لأن شيوعها بين الكتَّاب مؤشر مهم بأن لها دورًا في اكتساب ملكة الكتابة يحتاج المرء أن يراعيه في طريقه نحو أسلوبه الخاص.

استنادًا إلى التعريف غير الواضح للنجاح والاستطلاع غير الرسمي للعالم الأدبي، إليكم ثماني عادات للكتاب الناجحين:

1. الكتابة

ويوميًا إذا كان ذلك ممكنًا، حتى لو لبضع دقائق فقط. لكن لا يعني ذلك إجبار نفسك على كتابة جزء من روايتك مثلًا إن كنت لا تشعر بالإلهام. فقط تذكر أن العزيمة والإصرار على الأرجح أهم من الموهبة الخام في تحقيق النجاح الفني. يمكنك كتابة مذكراتك حريصًا على أن تكتب أحداث يومك بأسلوب بلاغي قدر استطاعتك، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. 

وإن كنت تتساءل أي طريقة هي الأفضل للكتابة –الورقة والقلم أم الحاسوب، فإليك الإجابة. في المؤلفات الكبرى كالروايات، الكتابة على الحاسوب خطوة لا غنى عنها حتى إن كانت الخطوة الأخيرة. لكن المؤلفات الأصغر مثل القصائد والمقالات والقصص القصيرة قد تعطي مساحة أكبر لممارسة الكتابة على الورق والاستفادة منها في تعزيز فهمك لما تكتب وتحفيز عقلك على الإبداع أفضل.

2. القراءة

لا بد للكاتب الناجح أن يكون قارئًا ماهرًا. فضلًا عن المفردات التي ستضيفها كثرة القراءة إلى معجمك، وتقديم أمثلة عملية على قواعد النحو والصرف والإملاء، وإدراك وجهات النظر التي قد تتوافق مع وجهات نظرك أو تختلف عنها. فالقراءة تسهم في إلهامك وتزويدك بالأفكار. دقق في كل قصة جيدة تقرأها لترى كيف ينجز الكاتب ما يفعله.

إن القراءة الجيدة تلهم وتقدم رؤيةً نافذة عن كيفية تصميم كتابتك لتحقيق أعمق تأثير ممكن. أي أنه من المؤكد أنك ستتعرض إلى أساليب متنوعة، قد تتبنى منها ما يعجبك كما حدث مع فرانسين بروز وقصَّتْه في كتابها «القراءة مثل كاتب»، إذ قالت: إنه أثناء كتابة قصة من قصصها التي عَلِمت أنها ستنتهي بفعلٍ عنيف، كانت تكافح لتجعلها تبدو طبيعية وحتمية، بدلاً من أن تكون مُفرَطة وميلودرامية. وكانت تقرأ في ذلك الوقت بعضَ قصص إيزاك بابيل ولاحظت أن في أعماله، تسبق كلَ لحظة عنف لحظةٌ شاعرية لطيفة. وعلقت: «إحدى سمات مؤلفات بابيل أنه يقدم مشهدًا جميلًا للهلال قبل أن تندلع الفوضى. جربت ذلك –أولاً يأتي الشعر، ثم الرعب- وفجأة … بالنسبة لي على الأقل، بدت الحادثة التي كنت أعاني معها مقبولة ومقنعة».

3. انفصل عما كتبته ثم أعد تقييمه كأن غيرك هو من كتبه

عندما تكتب مسودة لقصتك ويحين وقت المراجعة، يجب أن تكون قادرًا على النظر فيها بعين باردة، بل قاسية عند الضرورة. لكن إن تلبَّست بهذه الحالة عند كتابتك للمسودة الأولى، وسيطرت عليك فكرة أن يفتقر عملك للأصالة أو الإثارة، أو عدد الأخطاء اللغوية التي من الممكن أن ترتكبها، فمن المرجح أن عملك سيفتقر لكليهما؛ الأصالة والإثارة، وستقع في الكثير من الأخطاء اللغوية. 

إنك في الواقع لستَ شخصًا واحدًا فقط، بل شخصين: راقص وقاتل بفأس. أحبب كليهما، ولكن أبقهما منفصلين. ولتتمكن من ذلك، احرص على أن تعود لمراجعة مسودتك بعد يوم أو اثنين من كتابتها حتى تقرأها بعين القارئ لا الكاتب. حينها ستجد نفسك قادرًا على التأكد من سهولة متابعة الأفكار ووضوح العظة أو الدرس المستفاد من القصة وصلاحيتها من الأساس.

4. البحث النشط عن الإلهام

أينما تجده (مثل المحادثات مع الأصدقاء، والموسيقى، والحوادث الملهمة، والتجارب الجديدة). فذلك أفضل من التحصيل الدؤوب. وكما اقترحتْ نيسي ريجيس في مقالها، يجب عليك أيضًا البحث عن وسائل لدعم الإيمان بنفسك وبعملك. إذا جربت الموسيقى، على سبيل المثال، فستجد نفسك إما متأثرًا بالشعور الذي تحمله أو غارقًا في إحدى ذكرياتك، ما يحفز قدرتك على تحويل النغمات إلى كلمات. وإن كنتَ قد استهنتَ بقدرة القراءة على إلهامك في الجزئية الخاصة بها أعلاه، فها هي التذكرة بها مرة أخرى. إن قراءة أعمال كبار الكتاب وحتى قراءة الأخبار المحلية والعالمية قد تلهمك لفكرة جديدة. جرب الذهاب إلى إحدى المكتبات وابحث عن الإلهام في عناوين الكتب المحيطة بك. تناول القهوة مع أصدقائك وتعلم منهم أشياءً جديدة. اكسر عاداتك اليومية واذهب لتجربة شيء جديد، حتى إن كان بسيطًا كالتمشية أو زيارة مكانٍ لأول مرة.

5. احمل دفترًا أو جهازًا إلكترونيًا على الدوام

واستخدمه لكتابة الأفكار المفاجئة التي من الممكن أن تنساها أو لتسجيل المحادثات المثيرة التي تتنصت عليها. في هذه الحالة، اختر الطريقة الأسرع بالنسبة لك. فإن كنت ممن يجدون الكتابة على الورق أسرع وأسهل، فاحرص على أن يكون لديك دفترٌ صغير وقلم تأخذهما معك أينما ذهبت. أما إن كنت ممن يفضِّلون الكتابة على الأجهزة الإلكترونية فيمكنك استخدام هاتفك لتدوين كل ما هو مثير من حولك.

6. كن جزءًا من مجتمع الكتّاب والفنانين الآخرين

. وهذا يعني البقاء على اتصال منتظم بهم. فالكتّاب يميلون إلى أن يكونوا مخلوقات منعزلة. ومع ذلك، من المريح أن تكون مع أشخاص لا يرتبكون إن تحدثتَ عن أشخاص خياليين لا وجود لهم. كما يسمح لك الانخراط في مجتمعات الكتَّاب بالتعلم من زملائك أصابوا أو أخطأوا، وبعرض مؤلفاتك على زملاء مختصين للحصول على المراجعة والنصائح. وبالإضافة إلى ذلك، يتيح الانخراط لك الفرصة لممارسة المراجعة والنصح عن طريق النقد البناء وخوض تجربة القارئ لتدرك ما يريده القراء. ويمكنك الرجوع إلى ما ذكرته راندي سوزان مايرز في أحد مقالاتها على مدونة «بيوند ذا مارجنز Beyond the Margins»، من الأسباب الأخرى التي توضح العلاقة بين الانضمام إلى مجتمع وإثراء كتابتك وحياتك.

7. تقبل الفشل

حتى إذا كنت همنجواي القادم، ستفشل كثيرًا. لذلك تعلَّم كيف تفشل بأناقة. كرِّم نفسك بهدية صغيرة عن كل رفض تتلقاه، أو املأ مكتبك بأوراق رفض. على أي حال، كلما غطيت المزيد من الجدران برسائل الرفض، اقتربت أكثر من النجاح؛ مهما كانت تلك النجاحات. وتذكر دائمًا أن رواية «كثيب» لفرانك هربرت رفضتها عشرون دار نشر في البداية ثم حصدت الجوائز وتحولت إلى فيلم ومسلسل قصير.

8. انشر مؤلفاتك

حتى لو لم يكن النشر أحد أهدافك. عندما تكتب قصة قصيرة أو قصيدة أو مقالًا، من الأفضل دائمًا أن تعرض ما كتبته على الجمهور العام. بمعنى أصح، احرص على ألا تجعل نشرك لما تكتب محصورًا على أفراد العائلة والأصدقاء حتى تضمن الحصول على رأي صادق. واعلم أن النشر سيكسبك ميزة على ميزة المراجعة التي يقدمها غير المختصين، وهي الجرأة. من منا لا يخشى عرض ما يكتب على الآخرين، حتى لو كانوا من المقربين له؟ لكن ليس عليك فقط أن تتقبل الفشل، بل أيضًا أن تكسر حاجز الخوف وتتقبل فكرة نشر كتاباتك مهما كنت تعتقد أنها سيئة. الميزة الأخيرة من نشر مؤلفاتك لا تعود عليك أنت بشكل مباشر، بل على جمهورك من القراء (حتى إن كان صغيرًا). قد تلمس كتابتك شخصًا ما من جمهورك أو تؤثر في تفكيره أو وجهة نظره، وبالتالي يزيد ذلك وعيك بما تكتب.

والآن حتى لا أكون قد خدعتك كان عليَّ أن أخبرك بالحقيقة كاملة منذ أول المقالة وهي أن كل هذه العادات لن تنفعك بشيء إن لم يكن لديك موهبة في الكتابة! هل صدمتْك هذه الحقيقة؟ دعني إذن أخبرك بسر خطير لعله يخفف من وقع الصدمة؛ ألا وهو أنه لا أحد يعرف على وجه التحديد إن كان موهوبًا في الكتابة أم لا إلا بعد أن ينتظم فترة طويلة على ممارسة هذه العادات وأمثالها.

Shares:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *