منذ القدم، ظهر مصطلح الكاتب الظل/الكتابة الشبحية وانتشر في عالم الأدب، حيث لجأ الكثيرون إلى الاستعانة بكتَّاب محترفين في كتابة نصوصهم. وفي العصر الحديث، أصبحت الكتابة الشبحية ظاهرة شائعة ومتنامية في عالم الأدب والأعمال التجارية، وتوغلت في مختلف مجالات الأدب من الكتب إلى كتابة الأفلام السينمائية. تثير ظاهرة الكتابة الشبحية بعض الجدل بين التشجيع والهجوم، ما يجعلها تستحق المناقشة والدراسة والبحث في إيجابياتها وسلبياتها بقدر من التفصيل.
ما معنى الكتابة الشبحية؟
عرض الكثير من الباحثين مفهومهم عن الكتابة الشبحية، لكن موقع جوثام جوسترايترز للكتَّاب الأشباح يلخص هذه المفاهيم في الآتي: «التعريف الشائع للكتابة الشبحية هو فعل كتابة شخص ما بالنيابة عن شخص آخر أو مجموعة أو شركة أو مؤسسة دون أن يُنسب إليه العمل. ومع ذلك، في أكثر الأحيان، تعد الكتابة الشبحية شكلًا مخصصًا للتعاون، وتغطي مجموعة من العلاقات والخدمات المرتبطة باحتياجات الكتَّاب وأهدافهم وأسلوب عملهم». من المجالات التي تدخل فيها الكتابة الشبحية اليوم الآتي:
- الكتب.
- الروايات والقصص القصيرة.
- الخطابات.
- المدونات.
- السيناريوهات.
- النشرات البريدية.
- السير الذاتية.
- المقالات.
- المحتوى الصحفي.
- الإعلانات.
- الكتيبات الإرشادية والصفحات البيضاء.
- كتابات تجربة المستخدم.
تتطلب الكتابة الشبحية تعاونًا بين الكتَّاب الأشباح والعملاء من الأفراد والمؤسسات والشركات والمجموعات لتحقيق أهدافهم الكتابية والتواصلية. فيتوجب على الكاتب الشبحي العمل بدقة ومهارة على تحويل الأفكار والرؤى لدى الآخرين إلى كتابات قوية ومتقنة يستجيب لها الجمهور.
بذلك، تعد الكتابة الشبحية شكلًا مهمًّا من أشكال التعاون الكتابي، حيث يستفيد الأفراد والمؤسسات من خبرات الكاتب الشبحي لتحقيق أهدافهم الكتابية بطريقة فعالة ومحترفة. فقد يحتاج الأشخاص الذين يتمتعون برؤى وأفكار قوية، لكن يفتقرون للمهارات الكتابية، إلى المساعدة لتجسيد تلك الأفكار بشكل فعال وجذاب.
كيف تطور مفهوم الكتابة الشبحية بين الماضي والحاضر؟
تطور مفهوم الكتابة الشبحية بشكل كبير بين الماضي والحاضر. فيمكننا القول إن الكتابة الشبحية كانت هي الأساس في إنتاج الأعمال الأدبية، ولدينا العديد من الأمثلة التي تؤيد ذلك. فنادرًا ما كان يُعرف للنص الأدبي كاتب، إذ كانت النصوص تتداول بين الأفراد سواءٌ شفهيًّا أم كتابةً، ويضيف الفرد ما يريد إضافته على النص، ليصبح النص ناتجًا عن تعاون وتبادل للخبرات بين الكثيرين. والمثال الأشهر على ذلك هو قصص الفلكلور التي لا نعرف من مؤلفها، بل أقصى ما يمكن معرفته هو الحقبة والمجتمع اللذان نشأت منهما.
تغير هذا الوضع في عصر النهضة، عندما ظهرت فكرة نسب العمل لكاتب واحد، وعند إنشاء قوانين حقوق الملكية الفكرية. في هذا العصر بدأت وصمة العار تقترن بالكتابة الشبحية، إذ رأى الكثيرون أن في نسب إنتاج غيرك لنفسك غشًّا وخداعًا، حتى إن بعضهم وصف الكتابة الشبحية ببيع الفرد حقه.
لكن هذه الوصمة لم تنهِ الكتابة الشبحية، إنما دفعت الكتَّاب الأشباح للعمل في الخفاء وحثت أصحاب النصوص الأدبية على التظاهر بكتابة نصوصهم لا أكثر. وكان الكاتب الإنجليزي صاموئيل جونسون مثالًا على هذا، إذ بدأ عمله كاتبًا شبحيًّا في الخفاء، ثم أصبح يستعين بكتَّاب أشباح عند اشتهاره دون أن يذكر الأمر صراحةً.
مع توسع الإعلام والتكنولوجيا، ازداد الطلب على خدمات الكتابة الشبحية في مجالات متنوعة. فأصبحت الشركات والأفراد والمشاهير يستخدمون الكتابة الشبحية لإنتاج محتوى متنوع مثل المقالات والكتب والمدونات والخطابات والمواد التسويقية، وتتراوح العلاقة بين الكاتب الشبحي والعميل من العقود طويلة المدى إلى المشاريع قصيرة الأجل.
تزايدت أيضًا الاتجاهات نحو الشفافية والنزاهة في الكتابة الشبحية، حيث يشعر العديد من الكتَّاب الأشباح بضرورة الكشف عن هويتهم ودورهم في العمل، كما يتوقع القراء والجمهور اليوم مزيدًا من الشفافية والاعتراف بالكاتب الشبحي باعتباره جزءًا من عملية الإنتاج الكتابي، بل وأصبح الأمر اعتياديًّا. بالإضافة لذلك، أصبحنا نرى كُتَّابًا أشباحًا مشاهير مثل جون فافرو، كاتب خطابات الرئيس الأمريكي السابق أوباما، الذي أصبح له قاعدة جماهيرية خاصة به.
علاوة على ذلك، ظهرت أيضًا منصات جديدة للكتابة الشبحية على الإنترنت، أمثال موقع جوثام جوسترايترز الذي يوفر خدمات الكتابة الشبحية حصريًّا، وموقع خمسات للأعمال الحرة. فيمكن للكتَّاب الأشباح تقديم خدماتهم للأفراد والشركات عبر منصات التوظيف المستقلة ومواقع العمل الحر. هذا يوفر فرصًا أكبر للكتَّاب الأشباح للعمل والتواصل مع عملاء محتملين في جميع أنحاء العالم.
باختصار، يمكن القول إن مفهوم الكتابة الشبحية تطور بمرور الوقت ومع تغير النظرة العامة للكتابة الشبحية، ليصبح أكثر تنوعًا وشمولًا. ومع استمرار التطور التكنولوجي وتغيرات المجتمع والثقافة، فمن المتوقع أن يستمر تطور مفهوم الكتابة الشبحية في المستقبل. لكن رغم هذا، لا يزال المجال يتعرض لانتقادات عدة، ولهذا يجب أن ندرس بموضوعية وجهتي النظر.
اقرأ أيضًا: كيندل ليس القارئ الإلكتروني الوحيد!
ما مزايا الكتابة الشبحية؟
يصر الفريق الداعم للكتابة الشبحية على وجود عدة مزايا لها، تعود بالفائدة على كل من الكاتب وعميله، وبالتالي على المجتمع. فلنلقِ نظرة على بعض هذه الميزات:
1. زيادة ربح الكاتب بمجهودات أقل في التسويق
يواجه الكتَّاب مشكلة التسويق لكتاباتهم وإيجاد فرص عمل بوصفهم كتَّاب محتوى، لكن الكتابة الشبحية تمكن الكاتب من التفرغ لكتابة المحتوى عوضًا عن بذل جزء كبير من جهده في البحث عن عملاء والتسويق لخدماته.
ذلك لأن أغلب العملاء يكون لديهم قاعدة جماهيرية كبيرة بالفعل، أو يتمتعون بخبرة تمكنهم من القيام بحملات تسويقية. وأيضًا تعد الكتابة الشبحية مربحة أكثر، إذ يتقاضى الكاتب المزيد من المال مقابل تنازله عن حقوق الملكية الفكرية، وهذا مهم للكثير من الكتَّاب الذين تمثل لهم الكتابة مهنة ووسيلة لكسب العيش.
2. تبادل الخبرات بين الكاتب والعميل لإنتاج نص مميز
يعد التعاون بين الكاتب الشبحي والعميل فرصة لتبادل الخبرات والمعرفة لتعزيز قوة العمل الأدبي. يمكن للكاتب الشبحي الاستفادة من رؤى العميل وأفكاره لتحسين جودة النص المكتوب وتجسيدها بشكل مميز. ويمكن للعميل الاستفادة من خبرة الكاتب الشبحي في تحويل أفكاره إلى نص قوي وجذاب. ومن شأن هذا إحداث تنوع في النصوص الأدبية التي ينتجها الكاتب، لأن الكتابة الشبحية تتيح له فرصة الكتابة عن تجارب غير التي يعيشها وكأنه يرى العالم بعيون شخص آخر، ما يؤدي إلى إثراء الأدب وتنوعه.
يقول الكاتب الشبحي محمد عبد الموجود لموقع الشرق للأخبار إن كتابة أفكار الآخرين «تحافظ على سلامة عقله» ما يتيح له هدوء البال عندما يريد كتابة نص باسمه. فبالاستعانة بتجارب الآخرين، يكون من السهل توليد الأفكار للموضوع الذي يريد الكتابة عنه، ويستطيع أيضًا إنتاج نصوص فيها ترابط بين الموضوع وكاتبه يشعر به القارئ «كأنه من كتب النصَّ بنفسه».
ويقول الكاتب الشبحي الأردني محمد أحمد إن غرضه من الكتابة الشبحية استكشافي، إذ تتيح له التعرف على ثقافات مختلفة من خلال العمل مع عملاء مختلفين، ما يؤدي إلى تنوع أعماله.
3. توفير وقت العميل
يعد توظيف خدمات الكتابة الشبحية وسيلة فعالة لتوفير وقت العميل، وهذا ينطبق بالأخص على المشاهير السياسيين ورجال الأعمال. فبدلًا من القلق بشأن كتابة المحتوى بأنفسهم، يمكن للعملاء تكليف الكاتب الشبحي بالمهمة والاعتماد عليه في إنجازها بشكل محترف وفعال، وهذا يسمح للعميل بتركيز جهوده على أعمال أخرى هامة في الوقت نفسه.
ما هي سلبيات الكتابة الشبحية؟
رغم مزاياها المتعددة لا تخلو الكتابة الشبحية من العيوب التي لا يستطيع الكثيرون التغاضي عنها حتى الآن. ومن هذه السلبيات الآتي:
1. تأثيرات سلبية على النزاهة الأكاديمية
من المفترض ألا يُستعان بكتَّاب أشباح في كتابة الأبحاث الأكاديمية سواءٌ في المدارس أم الجامعات أم غيرها، لأن هذا يتعارض مباشرةً مع قوانين النزاهة الأكاديمية التي تتطلب الشفافية في إجراء الأبحاث وتوثيق المصادر وغيرها الكثير.
لكن لا يبدو أن هناك ما يضمن عدم حدوث مثل هذه الجرائم الأكاديمية، وقد رأيتها تحدث بالفعل في الجامعة، إذ يستأجر بعض الطلاب الكتَّاب الأشباح لكتابة الأبحاث بالنيابة عنهم. وإن كان الوضع في الجامعة مقدورًا عليه، إذ يستطيع بعض الأساتذة تمييز هؤلاء الطلاب بمقارنة الأبحاث المسروقة مع باقي أعمال الطالب، فقد يكون للأمر عواقب وخيمة على أرض الواقع.
على سبيل المثال، يذكر د. عمرو حسن فتوح حادثة استعانة بعض شركات الأدوية بكتَّاب أشباح غير دارسين للطب في كتابة مقالاتهم، وفيها عُثر على محتوى مضلل وغير موثق. ويصف د. عمرو الكتَّاب الأشباح في مثل هذه الحالة بالمنتحلين، إذ ينسبون لأنفسهم علمًا لم يدرسوه.
2. خداع الجمهور
في بعض الأحيان تكون الكتابة الشبحية خداعًا للجمهور، الذي قد لا يعرف أبدًا من هو كاتب النص الحقيقي، بالتالي يُظهر التقدير أو يضع ثقته في الشخص الخاطئ، وهو ما قد يترتب عليه مشكلات ذات ضرر أكبر على الجمهور لاحقًا.
مثلًا إذا استعان شخص يعمل في مجال ما بخبير في المجال ليؤلف له كتابًا عن موضوع محدد، وبالفعل ينتج الكاتب مرجعًا شاملًا في الموضوع، هنا سيثق الجمهور في الشخص الذي يعمل بالمجال ويطلبون خدماته اعتمادًا على قراءة الكتاب، لكنهم قد يكتشفون لاحقًا أنَّه لم يكن عند مستوى توقعاتهم، فهو في النهاية ليس المؤلف الحقيقي للكتاب.
لا يفوتك: كيف تحقق دخلًا سلبيًّا من القراءة؟
3. الاهتمام بالربح على جودة العمل
في بعض الحالات، يمكن أن يؤثر التركيز الزائد على الربح في الكتابة الشبحية على جودة العمل. عندما يكون الهدف الرئيسي هو الحصول على أكبر عدد ممكن من المشاريع والعملاء، فإن هذا قد يؤدي إلى تقديم محتوى سطحي أو غير متميز. بذلك، يضحِّي الكتَّاب بالجودة من أجل الكمية أو السرعة في تلبية احتياجات العملاء، فتكون النتيجة أعمالًا أدبية رديئة.
في نهاية هذا المقال، نستنتج أن الكتابة الشبحية ظاهرة متناقضة تتضمن مزايا وسلبيات. من ناحية المزايا، فإنها توفر فرصًا للكتَّاب لزيادة ربحهم بجهود أقل في التسويق، وتمكنهم من تبادل الخبرات مع العملاء لإنتاج نصوص مميزة، بالإضافة إلى توفير وقت العملاء. ومع ذلك، فإن هناك بعض السلبيات التي يجب أخذها في الحسبان، مثل تأثيراتها السلبية على الأبحاث الأكاديمية، وتعرض الجمهور للخداع، وقدرتها على التأثير على جودة العمل بسبب التركيز الزائد على الربح.
لذلك، يتعين على الكتَّاب الأشباح والعملاء أن يتعاملوا مع هذه الجوانب بحذر. يجب على الكتاب الشبحي السعي للتطوير المستمر وتحسين جودة عمله، بينما يجب على العملاء تفهم دور الكاتب الشبحي وتوضيح توقعاتهم منه بشكل صريح. والأهم، يجب التزام الشفافية والنزاهة في الكتابة الشبحية من جانب كل من الكاتب والعميل.
قد يعجبك أيضاً
التخطيط لرحلتك لا يقتصر على تفاصيل السفر فقط، بل يشمل المزيد