على الرغم من كونه الحقيقة الحتمية التي يعلمها كل إنسان، مهما اختلفت ثقافته أو عرقه أو دينه، فإننا وبلا استثناء نُحاول دائمًا أن نتجاهل التفكير في الموت، أو الحديث عنه إلا بشكل عابر وفي ظروف خاصة، نُكرِّر فيها عباراتٍ وأفكارًا متشابهة إلى حد كبير باعتباره النهاية المؤكدة لكل حياة. لكن، ماذا لو تحدَّث الموت عَنا؟ كيف يرى حياتنا تلك؟ وكيف يشعر تجاه ما نعتقده أو نقوله عنه؟
في روايتها الصادرة عن دار مسكيلياني للنشر، والتي جاءت بعنوان «الأفق الأعلى»، تأخذنا الكاتبة السعودية فاطمة عبد الحميد، في رحلة مثيرة عبر أعماق النفس البشرية، من خلال قصة قد تبدو عادية، لرجل أرمل يتعرَّف إلى الحب لأول مرة بعد تجاوُزه سن الخمسين، بعدما أجبرته والدته وهو في سن الثالثة عشرة على الزواج من إحدى قريباتها والتي تفوقه في العمر بنحو 10 سنوات، ولكن كيف سنرى حكايته من خلال «ملك الموت»، والذي اختارت الكاتبة أن تجعله الراوي العليم في الرواية؟
الأمومة بين المسئولية ومفهوم الاختيار
على عكس المعتاد في كثير من الروايات العربية، التي يظهر فيها التسلُّط والسيطرة الذكورية، تحكي الرواية عن «سليمان» الطفل الذي لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، ويعيش في إحدى قرى السعودية، والذي تقرِّر أمه السيدة حمدة، أن تُزوِّجه ابنة خالتها «نبيلة» الشابة بنت الـ 23 ربيعًا؛ خشيةً على نسل العائلة ورغبةً منها أن ترى أحفادها في سن مبكرة، والتي توافِق بدورها خوفًا أن يفوتها قطار الزواج، وتُصبح عانسًا نظرًا لعيب خَلْقي في وجهها، ليجد «سليمان» نفسه قد سُرِقَ إلى حياة لم يتوقع أن يعيشها بعد أن سُلِبت طفولته.
الموت وسيلةً لفهم الحياة
تطرح الرواية التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، في نسختها السادسة عشرة، تساؤلاتٍ عدةً حول معنى السعي، ولماذا وصلنا إلى هذا الحد من التسابق؟ ومن أجل ماذا؟ وما مفهوم السعادة؟ ولماذا نخاف من الشعور بالوحدة؟ وكيف نصل إلى حالة الأنس؟ وهل يختلف مفهوم الأمل والطموح من شخص لآخر؟ تساؤلات وأفكار عديدة تُناقِشها الكاتبة من خلال سرد متدفِّق في حوالي ٢٣٢ صفحةً لتقدِّم نظرةً فلسفية خاصةً حول الحياة والموت باعتبارهما ثنائيةً كبرى محرِّكةً للأحداث.
العلاقات كمحاولةً للهروب
في كثير من الأوقات يكون الخوف هو المحرك الرئيس لتصرفات الإنسان؛ فهذه الغريزة تدفعنا أحيانًا إلى القيام بتصرُّفات واختيارات لم نكن نرغب بها في الوضع الطبيعي، إلا أن رغبتنا في الابتعاد عن الشعور بالخسارة هي ما تدفعنا إلى الهرب، لكن هل يمكن أن يتحوَّل الزواج أو الحب إلى محاولة للهروب من الوحدة أو الشعور بالوحشة والضياع؟
قدسية الموت وتأثيرها على اللغة والسرد
حينما تقرأ النص تجد ما يشبه المونولوج الطويل؛ حيث لم تعتمد الكاتبة على تسارع الأحداث أو الحوارات بين الشخصيات بقدر اعتمادها على تقديم سرد أفقي متميِّز ووصف دقيق لمشاعر الشخصيات وما يدور في نفس كل شخصية من صراعات داخلية وتناقضات ومخاوف.
حين تكتمل الصورة
من اللحظات الصعبة التي ستواجهك في رواية «الأفق الأعلى» لحظات الوفاة أو موت أحد شخصيات الرواية؛ فعلى الرغم من قسوتها فإنها تحاول طرح إجابات مختلفة عن اللحظات الأخيرة في حياة الإنسان، تلك اللحظات التي لا نعلم عنها شيئًا وتظل تؤرقنا لولا النسيان. كيف مرَّت اللحظات الأخيرة على أقرب الناس إلينا؟ هل كان الموت مؤلمًا؟ هل أراحه الموت؟ واختارت الكاتبة أن تكون هذه اللحظات ليست على لسان أصحابها ولكن على لسان الفاعل الرئيس «ملك الموت».
قد يعجبك أيضاً
يتناول مقال محمد أسامة مراجعة رواية "لا شيء أسود بالكامل" المزيد
تقدم شيماء مصطفى في مراجعتها رواية «عمة آل مشرق» للكاتبة المزيد