مقالات

دليلُ المؤلفِ إلى قانونِ الملكيةِ الفكريةِ: احمِ حقَّكَ!

تعرف على كيفية حماية حقوقك كمؤلف في هذا الدليل الشامل لقانون الملكية الفكرية. اكتشف أهمية تسجيل العمل، كيفية الاستفادة من الرخص المختلفة، واستراتيجيات التعاقد لضمان حقوقك المالية والأدبية.
دليلُ المؤلفِ إلى قانونِ الملكيةِ الفكريةِ: احمِ حقَّكَ!
قد يُظن أنَّ “الملكية الفكرية” من المنجزات الحديثة للحضارة الإنسانية، بيد أنَّ هذا الظن ينطوي على مغالطة، ففكرة الملكية الفكرية تضرب بجذورها في التاريخ الإنساني؛ فقد ظهرت إرهاصات مفهوم الملكية الفكرية منذ أربعمئة عام، حينما دعمت الملكية البريطانية قانون الاحتكار عام 1624، ثم أقرت عام 1710 أحد أقدم القوانين المعروفة لحماية حقوق المؤلفين وهو «قانون حماية المؤلفين» (Statute of Anne). وظلَّت الفكرة تتطور حتى ظهر مصطلح «الملكية الفكرية» Intellectual Property بوضوح عام 1769. ثم انتشرت الفكرة، فصدر في فرنسا «قانون حق المؤلف» عام 1761. وقبل نهاية القرن بعقد، أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية «قانون حقوق الطبع والنشر»؛ ليمنح الحماية للمؤلفين فيما يتعلق بحقوق النشر لأعمالهم. وصدر في العام التالي (1791) «الوثيقة التأسيسية للكونفدرالية»، والتي تضمنت حماية لحقوق المؤلفين واعترافًا بأهمية الملكية الفكرية.
واستمر إصدار القوانين الداعمة لمبدأ الملكية الفكرية. فعلى النطاق الدولي، صادقت دول عدَّة على اتفاقية برن الدولية لحماية المصنفات الأدبية والفنية عام 1886، والتي أقرت حقَّ المؤلف، وأوجبت الدفاع عنه بين الدول الموقعة عليها، وحتى الآن انضم للاتفاقية أكثر من مئة وخمس وسبعين دولة. وتُوجت هذه الجهود الدولية بتأسيس المنظمة الدولية لحماية الملكية الفكرية (WIPO) عام 1967 للترويج للحماية الدولية للملكية الفكرية، وتعزيز التعاون بين الدول في هذا المجال.
ولم تكن الدول العربية بمنأى عن مفهوم الملكية الفكرية، إذ كانت مصر سبَّاقة في هذا المجال، فصدر قانون حقِّ المؤلف رقم 354 لسنة 1954. وفي تونس، صدر قانون الملكية الأدبية والفنية عام 1967، وتبعتها المغرب عام 1970، ثم العراق في العام التالي.

وظلَّت الدول العربية تعمل على إصدار قوانين الملكية الفكرية، بحيث لا توجد الآن دولة عربية بدون قانون لحماية الملكية الفكرية. وعلى الرَّغم من المبادرات التي تطلقها الدول العربية أو المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، إلَّا أن الكثير من المؤلفين وأصحاب الحقوق تضيع حقوقهم في خضم تعدد القوانين وتشتت الجهات المسؤولة عن الملكية الفكرية. 

انطلاقًا من ذلك، سنحاول في هذا المقال وضع الكتَّاب أمام الطريق الصحيح لحماية حقوقهم. 

مدة حماية الملكية الفكرية

حقُّ المؤلف مصطلحٌ قانوني يصف الحقوق الممنوحة للمبدعين فيما يخص مصنفاتهم الأدبية والفنية. ويغطي حق المؤلف طائفة مصنفات واسعة، مثل: الكتب، والموسيقى، واللوحات الزيتية، والمنحوتات، والأفلام، والبرامج الحاسوبية، وقواعد البيانات، والإعلانات، والخرائط الجغرافية، والرسوم التقنية.

وبناءً على ذلك، فقد حدد القانون المصنفات المشمولة بالحماية، وأولى هذه المصنفات هي براءات الاختراع، والعلامات التجارية، والمصنفات الفنية، وما يُعرف بحق الأداء العلني، والفنون التشكيلية، فضلًا عن البرمجيات، والشرائح، والدوائر المتكاملة، وغيرها الكثير.

وسوف نقصر حديثنا في هذا السياق على الحقوق الأدبية، لما لها من علاقة مباشرة بالكتابة. أما المصنف المشار إليه فهو كلُّ عمل مبتكر أدبي أو فني أو عملي، أيًّا كان نوعه أو طريقة التعبير عنه أو أهميته أو الغرض من تصنيفه.

عمومًا، تشير القوانين الصادرة في عدد من الدول العربية، مثل: المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، ولبنان، والإمارات، والعراق، وسوريا، والأردن، وتونس، والجزائر، وليبيا، والكويت، وقطر، وعمان، والبحرين إلى أنَّ مدة الحماية الفكرية للمصنفات الأدبية تشمل مدة حياة المؤلف إضافة إلى خمسين عامًا بعد وفاته. وبالتالي، فإنَّ كلَّ مؤلف يتمتع بالحماية حتى بعد وفاته بخمسين عامًا.

ويمكن تقسيم المصنفات الأدبية الخاضعة للملكية الفكرية إلى عدة أنواع؛ ومنها:

1. المصنفات الفردية: ويُقصد بها المصنفات التي ألَّفها شخص واحد، وتُحمى هذه المصنفات طيلة حياة مؤلفها، لتمتد الحماية إلى خمسين عامًا بعد وفاته. 

2. المصنفات المشتركة: وهي المصنفات التي يسهم في تأليفها أكثر من شخص، فبعض الأعمال يكتبها المؤلِّف ويترجمها مترجم آخر، فيغدو العمل مشتركًا، وتُحمى هذه المصنفات طيلة حياة مؤلفيها، وتمتد الحماية إلى خمسين عامًا بعد وفاة آخر مساهم في العمل.

3. المصنفات الجماعية: وهي المصنفات التي يضعها أكثر من مؤلف بتوجيه من شخص آخر، سواء أكان هذا الآخر شخصًا طبيعيًّا أم اعتباريًّا، يضع الهدف العام للمصنف وينشره باسمه وتحت إشرافه، ومدة حماية هذا العمل مرتبطة بالمشرف عليه، فإن كان شخصًا اعتباريًّا -كهيئة أو ناشر- فإنَّ مدة حمايته خمسون عامًا من تاريخ نشره، أما إن كان شخصًا طبيعيًّا، فمدة الحماية تمتد حتى خمسين عامًا من تاريخ وفاة المشرف.

4. المصنفات المشتقة: هي المصنفات التي تستمد أصلها من مصنف سابق الوجود؛ كالترجمات، والتوزيعات الموسيقية، وتجميعات المصنفات. ومدة الحماية هي خمسون عامًا أيضًا.

المشاع الإبداعي؛ ما له وما عليه:

وفي ظل الرغبة بنشر المعرفة والثقافة، قد يختار صاحب الحقِّ التنازل عن جزء من حقِّه، مقابل نشر عمله على نطاق واسع ومشاركته مع آخرين مشاركة مرنة. حينها، على صاحب الحقِّ اختيار إتاحة مصنفه تحت إحدى رخص المشاع الإبداعي Creative common  المُتعارف عليها. ولكن يجب عليه -أولًا- أن يعلم أنَّه لا يمكن التراجع بأي حال من الأحوال عن الرخصة الممنوحة له؛ لذا، يجب عليه أن يتأكد من رغبته بإتاحة مصنفه وفق هذه الرخصة.

أكثر هذه الرخص شمولًا هي نَسب المُصنَّف 4.0 دولي. وهي تتيح للمستخدم استخدام المصنف كيفما يشاء، ودون أية عوائق فيما يتعلق بالاستغلال التجاري أو الاشتقاق، فقط لا بدَّ من الإشارة إلى مؤلف المصنف، فبموجبها يتنازل صاحب الحق عن كل حقوقه المادية، ويمكن طباعة المصنف وتوزيعه والربح منه والاشتقاق منه. أما إذا كنت تريد الاحتفاظ بحق الاستغلال المادي فعليك استخدام إحدى الرخص التالية؛ رخصة   أي نسب العمل لصاحبه-غير تجاري (BY-NC) أو نسب العمل لصاحبه-المشاركة بالمثل (BY-SA) أو نسب العمل لصاحبه -بلا اشتقاق (BY-ND) وكذلك رخصة نسب العمل لصاحبه-غير تجاري- المشاركة بالمثل (BY-NC SA) وأخيرًا نسب العمل لصاحبه-غير تجاري-بلا اشتقاق (BY-NC ND). وللتأكيد مرة أخرى، عليك أن تحدد ماذا تريد أن تمنح قبل اختيار الرخصة المناسبة.

أيًّا كانت الرخصة التي ستختارها، فكلُّ الرخص تمنح حق نسخ العمل ونشره وبثه، وتحويره إلى وسائط أخرى مثل صوتي أو مرئي. كما أن صاحب الحق يحتفظ بحق نَسْبِ العمل، وكذلك المحافظة على حقوق النشر وأيِّ ملاحظةٍ مرتبطةٍ بها وإبقائها على جميع نسخ العمل دون تعديلٍ أو تحويرٍ، مع الإشارة إلى الرُّخصة المستخدمة، وأخيرًا ذكر جميع التعديلات والإشارة لها حال القيام بأيِّ تعديلٍ على العمل الأصليِّ.

قبل أن تتعاقد

طبقًا للقوانين والاتفاقات الدولية، فإنَّ المؤلف يحصل على تعويض مناسب مقابل استغلال الآخرين لهذا الحق. وعليه، لا بدَّ من أن تعرف كيف تحقق أقصى استفادة ممكنة. 
  • حدد الفترة الزمنية؛ فكلُّ عقد لا تُحدد فيه المدة الزمنية هو عقد باطل. وتذكر التالي: كلَّما كانت مدَّة التعاقد قصيرة، زادت نسبة استفادتك. 
  • حاول ألا تتنازل عن كلِّ الحقوق في تعاقد واحد، فتعاقد على الحق الورقي، أو الحق الإلكتروني، أو على أحد حقوق الاشتقاق، مثل: الترجمة، أو التحويل لعمل آخر كالأداء المسرحي أو السينمائي أو الإذاعي وما إلى ذلك.
  • الحق الأدبي حق أبدي، فلا تتنازل عنه. إن كان للمؤلف أو صاحب الحق التنازل عن حق الاستغلال المادي مقابل اتفاق مُسبق، فإنَّه لا يجوز له -بأي حال من الأحوال- التنازل عن الحق الأدبي؛ فلا يجوز أن يتنازل المؤلف عن نسبة المصنف إليه. كما يحق له الاعتراض على أي تعدٍّ على مصنفه، ومنع أي حذف، أو تغيير، أو إضافة، أو تحريف، أو تشويه، أو كل مساس بالمصنف. وله الحق في إدخال ما يراه من تعديل أو إجراء أي حذف على مصنفه. وأعطاه القانون الحق في سحب مصنفه من التداول.
  • سجل عملك: لا يمكن الاستفادة من هذه القوانين والإجراءات كلِّها، إن لم يأخذ الكاتب زمام المبادرة لحماية حقِّه، فالحق لا بدَّ له من قوة تحميه، والقوة -هنا- هي القانون، لكن القانون لن يكون فعالًا طالما أنَّ المؤلف لا يُعنى بحماية حقوقه. وأولى إجراءات حماية حقِّ الملكية الفكرية هي تسجيل العمل، ويمكن تسجيل العمل والحصول على رقم إيداع أو فسح من الهيئة المسؤولة عن الكتب في البلد التابع لها. ففي السعودية، تمنح إدارة المطبوعات التابعة لوزارة الإعلام رقم إيداع للكتب المفسوحة. وفي الأردن، يمكنك الحصول على رقم إيداع من خلال مركز الإيداع في المكتبة الوطنية. أما في مصر، فتمنح دار الكتب والوثائق القومية أرقام الإيداع، هذا الرقم يُعطى مرة واحدة فقط ويميز الكتاب بل والطبعة نفسها، فلكل طبعة رقم إيداع مختلف عن الطبعة السابقة؛ لذا فإن رقم الإيداع مهم جدًّا لإثبات حقك.
  • العقد شريعة المتعاقدين: يمثل العقد الاتفاق الحاكم بين المؤلف (صاحب الحق) والناشر (المستفيد من الحق)؛ لذا، اعرض العقد قبل التوقيع عليه على قانوني متخصص في الملكية الفكرية، أو اعرضه على اتحاد الكتاب أو الرابطة المسؤولة عن الكتاب في بلدك، ففيها متخصصون يستطيعون مساعدتك وإفادتك قبل توقيع العقد.
  • فكر في الاستعانة بوكالة أدبية: عُرفت الوكالات الأدبية في الغرب منذ زمن بعيد، وهي شركات تدير حقوق المؤلف المالية والأدبية. هذه الشركات لديها من القدرة المالية والقانونية ما يمكنها من حماية حقوقك. ومؤخرًا، أقرت المملكة العربية السعودية الوكالات الأدبية، وأطلقت هيئة الأدب مبادرة «الوكيل الأدبي»، والتي اعتمدت في أول إطلاق لها تسعة وكلاء وأربع وكالات أدبية. وفي مصر، هناك بعض الوكالات الأدبية، مثل وكالة سفنكس الأدبية ووكالة بيرز فاكتور. هذه الوكالات تستقبل المؤلف، وتستلم منه العمل مخطوطًا، وتسجله، وتروج له، وتتعاقد مع دور النشر من أجل نشره، وتعقد الندوات والحلقات النقاشية حوله، فالوكالات الأدبية فعالة جدًّا، ولكنها تفضل التعامل مع كبار الكتَّاب فقط، وذلك لتحقق عائدًا ماديًّا مقبولًا لها ولصاحب الحق.

الملكية الفكرية؛ ثقافة غائبة

للأسف الشديد، لا تزال الملكية الفكرية من الأمور المغيبة عن واقعنا العربي المعاصر. لذا، تحاول الدول العربية نشر الوعي الثقافي بالملكية الفكرية، فأطلقت المملكة العربية السعودية استقصاء حول تعديل قانون الملكية الفكرية، كما أقرت قانون الوكالات الأدبية، وأنشأت الهيئة السعودية للملكية الفكرية في عام 2018، كما أنها دعمت حق المؤلف في البيئة الرقمية. أما مصر، فقد أطلقت الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية عام 2022. كل هذه المبادرات وغيرها تضع أمام أعينها المردود الاقتصادي الكبير الذي يمكن أن يجنيه المساهم منها، هذا فضلًا عن الانتعاش الفكري والثقافي الكبير الذي توفره الحماية القانونية.
Shares:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *