«قبل 28 عامًا بدأنا العمل معًا. شكرًا مونيكا؛ وكيلة أعمالي وصديقتي»
شهدت الحركة الثقافية العربية خلال السنوات الأخيرة نشاطًا كبيرًا، وظهرت العديد من المصطلحات المرتبطة بحالة الرواج الثقافي، هذا الرواج الذي أوجب ضرورة النظر في إعادة تنظيم العلاقة بين أطراف المعادلة الثقافية في عالمنا العربي، ونعني بها: الناشر والمؤلف، ومن أبرز هذه المصطلحات مصطلح “الوكالة الأدبية” الذي سنتوقف عنده في مقالنا هذا، محاولين اكتناهه وتحديد أبعاده.
يُقصد بالوكالة الأدبية -عمومًا- ذلك الوكيل الذي ينوب عن المؤلف في تعامله مع المستفيدين من مصنفه، بحيث يضمن للكاتب أعلى عائد ممكن وفق أفضل الشروط، نظير نسبة متفق عليها. وبينما تتعامل الوكالة الأدبية مع عدد من أصحاب الحقوق، فإن الوكيل الأدبي يتعامل مع صاحب حق واحد.
وعلى الرَّغم من أنَّ مصطلح “الوكالة الأدبية” مصطلح حديث نسبيًّا في السياق الثقافي العربي، إلا أنَّه مصطلح له حضور في السياق الثقافي الغربي. إذ ظهرت الوكالات الأدبية في بريطانيا عام 1875 حينما أسس كلٌّ من Caradoc King وDerek Johns وكالة A P Watt، ثم انتشرت سريعًا في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان ظهور الوكالات الأدبية عاملًا مهمًّا في إثراء الثقافة والحياة العلمية في الغرب، كما شكَّلت ضمانًا للمؤلف، الذي كانت علاقته بدور النشر متوترة.
وحاليًا، يوجد في الولايات المتحدة وحدها أكثر من ألف وكالة أدبية، لكل وكالة مجموعة من التخصصات، فبعضها يقبل الكتب الأدبية والشعر، وبعضها الآخر متخصص في كتب الأطفال، وثالث في الكتب العلمية، وهكذا. فمن النادر جدًّا أن تجد مؤلفًا بدون وكالة أدبية تتحدث باسمه. بل هناك العشرات من قواعد البيانات التي تساعد المؤلف في التواصل مع الوكالة الأدبية المناسبة له، حيث تُحدد كل وكالة نوع النشاط الذي تقوم به، كما تضع شروطها، ومتطلبات التعاقد.
ماذا حدث في العالم العربي؟
منذ معرفة العالم العربي بالطباعة التجارية والنشر، لم يشعر طرفا المعادلة (المؤلف والناشر) بحاجتهما إلى وسيط بينهما (ونعني به الوكالة الأدبية)، بيد أنَّه خلال السنوات الأخيرة زاد عدد المؤلفات المنشورة زيادة كبيرة، كما زادت الجوائز المالية -التي قد تُمنح للكاتب أو الناشر- من حيث القيمة والعدد، فأصبح النشر في بعض جوانبه عملية مربحة -ولاسيما في حال الحصول على الجوائز والدعم المادي مقابل النشر- فبدأ السوق الأدبي يدرك ضرورة الوكالات الأدبية.
ظهرت الوكالات الأدبية -بداية- في مصر، غير أنَّ المملكة العربية السعودية كانت سبَّاقة في التشريع لها، إذ أطلقت هيئة الأدب مبادرتها لدعم الوكالة الأدبية، فسُجل حتى اليوم أربع وكالات أدبية واثنا عشر وكيلًا أدبيًّا، ومن الوكالات الأدبية في المملكة «وكالة حَرْف الأدبية» Harf Literary Agency، وهي أول وكالة في المملكة، يقوم عليها الأستاذ حاتم الشهري، وبدأت في خدمة المؤلفين بدون مقابل أو بمقابل مادي بسيط، ثم توسعت حتى أصبحت وكالة أدبية ذات أهمية، وتحرص هذه الوكالة على اختيار الأعمال التي تمثلها، حتى أنَّها ترفض 60% من الأعمال المرسلة لها. وتعاقدت الوكالة مع Arabookverse لتحويل الكتب الورقية إلى كتب صوتية وإلكترونية، وستُنشر الكتب على أكثر من ثلاثمئة (٣٠٠) تطبيق عالمي للكتب الصوتية والإلكترونية. وتقدم الوكالة خدمات، مثل: الصف، والإخراج، والتدقيق الإملائي، والتحرير البلاغي، والاستشارات الثقافية.
أما في مصر، فهناك «وكالة سـفنكس الأدبيـة»، وهي أول وكالة أدبية عربية، وقد استطاعت هذه الوكالة جذب عدد كبير من الحقوق، منها: حقوق للشاعر المصري صلاح جاهين، وبعض أعمال لروائيين مثل: جمال الغيطاني، وسلوى بكر، وسالم بن حميش، ومحمد ناجي، وكمال رحيم. كما نجحت في تأسيس شبكة اتصالات موسَّعة مع أهم الناشرين الدوليين، وبناء علاقة جيدة مع المحررين المسؤولين عن اختيار برامج الترجمة في دور النشر الأجنبية.
وفيما يتعلق بالوكالة الأدبية التي أسسها الأستاذ عماد العادلي عام ٢٠٢٠ فقد أحدث تأسيسها ضجة كبيرة في الوسط الأدبي، إلا أنَّ هذا الضوء خفت كثيرًا مع مرور الوقت. وقبل ذلك بسنوات (ربما عام ٢٠١٧) أسس بيتر ثابت وعمر أحمد وكالتهم الأدبية 540 Egypt لتكون من أوائل الوكالات الأدبية العربية، بهدف التعامل مع الكتاب منذ أن يكون الكتاب فكرة حتى طباعته وتوزيعه، وقد تعاملت هذه الوكالة مع كبار الأدباء، مثل نوال السعداوي، فضلًا عن عدد من المؤلفين الشباب.
الوكالة الأدبية مفتاح النشر
تتمحور خدمات الوكالات الأدبية حول إيصال كتب المؤلفين إلى دور النشر مباشرة، بيد أنَّ الوكالات الأدبية أضحت تقدم -أيضًا- خدمات ما قبل الناشر، فتستقبل مسودة أو مخطوطة الكتاب، ثم تعرض المخطوط على لجنة داخلية للوكالة الأدبية، والتي قد ترفضه أو تقبله، أو تقدم بعض التعليقات والاقتراحات من أجل إثراء العمل، ولا سيما إذا كان المؤلف يريد نشره في دار نشر محددة، بعد ذلك يخضع المخطوط للمراجعة، والتحرير، والتنسيق، بل قد تناقش الوكالة الأدبية المؤلف في عنوان الكتاب، وملخصه الذي سيُقدم لدار النشر.
أما المرحلة الثانية من الخدمات -والتي تشترك فيها الوكالات الأدبية كلُّها- فتتمحور حول التواصل مع دار النشر، إذ إن الوكالات الأدبية تعمل على اختيار النصوص المناسبة والجيدة والمتوافقة مع دار النشر التي ترسل لها العمل، ما يوفر بعض الوقت لمحرري دار النشر، نظرًا لأن الأعمال المرسلة لهم من الوكالات الأدبية عادة ما يكون مستواها أفضل من تلك التي يرسلها لهم المؤلف.
وتبدأ بعد ذلك مرحلة التفاوض، حيث تحاول الوكالة الأدبية الحصول على أفضل عرض للمؤلف، ولا سيما أنَّها شريكته في الربح، وهو ما يمثل نقطة اختلاف بين الوكالات الأدبية ودور النشر التي تعتبر الوكالات شريكة لها في المكسب، وتتغاضى عن دورها في تسهيل عملية التعاقد، وتصديها لأسئلة المؤلف، التي تتولى الرد عليها عوضًا عن دار النشر.
وتحاول بعض الوكالات تقديم مرحلة ثالثة من الخدمات للمؤلف، وهي خدمات ما بعد الطباعة؛ حيث تقوم الوكالة بخدمات الدعاية والتسويق للكاتب، والعمل على حضوره في المعارض الدولية، وحفلات التوقيع، وحلقات المناقشة، وغيرها من الأدوات التي تساعد في انتشار الكتاب والكاتب، كما قد تتولى الحقوق الاشتقاقية وتعمل على بيعها لآخرين، كحقوق الترجمة، والتحويل لعمل سينمائي أو مسرحي أو إذاعي.
وفي هذا السياق لا بدَّ من أن نشير إلى أنَّ بعض الوكالات تعمل على الكتاب وهو مجرد فكرة في ذهن الكاتب؛ فتناقشها، وتطورها، وتحدد نقاط الضعف فيها، لتصل بها إلى كتاب وفق المستوى المطلوب.
الوكالات الأدبية؛ ما لها وما عليها
يصعب تقييم الوكالات الأدبية في العالم العربي بمعزل عن الوسط الأدبي والتجاري الذي تعمل فيه، فهي للمؤلف بمثابة طوق النجاة؛ تتحمل عوضًا عنه مشقة التواصل مع الناشرين، ما يجعله يتفرغ لعملية الإنتاج الأدبي، كما أنَّ الوكالات تعرف معايير الناشرين، ونقاط القوة والضعف في النص، فتختار الناشر الذي يتوافق مع الكتاب. زد على ذلك أنَّ الوكالات الأدبية تخفف العبء على الناشر؛ حيث تقوم بقراءة العمل، والحكم عليه، والعمل على رفع كفاءته قبل إرساله للناشر، ما يمكننا اعتباره مرحلة تقييم أولية، تساعد الناشر في اختيار النصوص الجيدة، بل ذلك ما يجعل الناشرين يأخذون الأعمال المرسلة من الوكالات على محمل الجد، والنظر فيها بعين الاهتمام. أضف إلى ذلك أنَّ الوكالات الأدبية تضمن للمؤلف الحصول على أفضل شروط النشر؛ نظرًا لامتلاك الوكالات الأدبية مفاوضين ماهرين، وعلى علم بتفاصيل التعاقدات.
وعلى الرغم من كل هذه الإيجابيات إلا أنَّ الوكالات الأدبية لا تخلو من السلبيات، إذ لا يمكننا أن نغفل عن العمولة التي تتقاضها الوكالة الأدبية نظير خدماتها، والتي يتراوح متوسطها بين 15-20%، فعلى الرغم من أن الوكالات تسعى للحصول على أفضل عرض للكُتَّاب، إلا أن بعض الكتَّاب ينظرون إليها -بسبب النسبة التي تتقاضاها- على أنها تقوم بعملية سمسرة.
أما الناشر، فهو بين المطرقة والسندان، فالوكالة الأدبية تقدم له المنفعة، إذ تعطيه النصوص الجيدة، ما يوفر على اللجنة العناء، كما أنَّ تعاملها سلس، فكلاهما يعرف سوق النشر وضوابطه، بيد أنَّها تشاركه في أرباحه. في حين أنَّ تعاملها المباشر مع المؤلف لا يضمن لها النصوص الجيدة التي تقدمها لها الوكالات الأدبية، بيد أنَّ التعامل يكون أسهل من الناحية المادية، ولا سيما أنَّ الوكالة لن تشاركهما الأرباح.
وفي هذا السياق، لا بدَّ من أن نشير إلى أنَّ بعض المؤلفين لا يرغبون في وجود من ينوب عنهم ويتحدث بلسانهم، وأكثر هؤلاء هم من المؤلفين القدامى، الذين نشأوا على التعامل المباشر مع الناشر والجمهور، وكوَّنوا خبرة لا بأس بها في هذا المجال، ولديهم من العلاقات والمكانة الأدبية ما يسهل عليهم التفاوض والحصول على أفضل الشروط، كما أنَّهم يتمتعون بالحضور الجماهيري، ما يسهل عملية الدعاية والندوات والمناقشات.
هل نحن بحاجة إلى الوكالات الأدبية؟ هل من المنصف أن يكون عالم الأدب بدون وكلاء بينما للاعبي الكرة والفنانين وكلاء؟
فيما سبق، كانت دور النشر تقوم بمهام الوكالات الأدبية، ولا سيما مع كبار المؤلفين، بل إنَّ بعض دور النشر التي لها قدرات تسويقية تفعل الأمر نفسه مع الشباب الآن؛ فتتعاون مع المؤلف من طرح الفكرة، مرورًا بالمراحل المختلفة التي تفضي إلى ظهور الكتاب بصيغته النهائية، ثم تُعد خطة تسويقية بناءً على خبرتها في سوق النشر، وتعمل على توزيع الحقوق الاشتقاقية، ولا سيما حقوق الترجمة والتحويل لأعمال أدبية. وهو ما يحقق عائدًا كبيرًا للمؤلف. زد على ذلك، أنَّ بعض دور النشر تخصص مرتبًا شهريًّا للمؤلف، وتحصل هي على نسبة كبيرة من الحقوق.
بيد أنَّ دور النشر التي تقوم بذلك ليست بالكثيرة، كما أنها مختصة بكبار الكتَّاب في أغلب الأحيان، وهنا تظهر أهمية الوكيل الأدبي. فقد أدركت كلٌّ من الإمارات والسعودية (وهي من الأسواق ذات المستقبل الكبير في عالم النشر خلال السنوات القادمة) أهمية الوكيل الأدبي فأعدت البيئة التشريعية المناسبة له، وبدأت تعقد الدورات والجلسات النقاشية في المعارض الدولية من أجل دعم الفكرة.
إن صناعة النشر تنهض على علاقة ثلاثية؛ أطرافها: المؤلف، والناشر، والوكيل الأدبي، وعدم وجود وكالات أدبية يجعل صناعة النشر عرجاء. لكن قبول الوكيل الأدبي لن يكون بردًا وسلامًا، ولا سيما من الناشرين، الذين ينظرون إليه نظرة التوجس والريبة، لاعتباره رقيبًا عليها، وشريكًا لها في المكسب. أضف إلى ذلك أن البيئة التشريعية بحاجة إلى تهيئة، تمكِّنها من تقبل هذا الوسيط الأدبي الذي سيثري بلا شك الحياة الأدبية العربية.
قد يعجبك أيضاً
هل تُسهم الجوائز المالية في دعم الكتاب وتطوير صناعة النشر المزيد